- مُنَاسَبَةُ هَذَا الأَثَرِ لِهَذَا البَابِ أَنَّ مِنْ أَسْبَابِ جَحْدِ الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ أَنْ يُحَدِّثَ المَرْءُ النَّاسَ بِمَا لَا يَعْقِلُوْنَهُ مِنَ الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، فَالنَّاسُ عِنْدَهُم إِيْمَانٌ إِجْمَالِيٌّ بِالأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ؛ يَصِحُّ مَعَهُ تَوْحِيْدُهُم وَإِيْمَانُهُم وَإِسْلَامُهُم، فَالدُّخُوْلُ فِي تَفَاصِيْلِ ذَلِكَ غَيْرُ مُنَاسِبٍ؛ إِلَّا إِذَا كَانَ المُخَاطَبُ يَعْقِلُ ذَلِكَ وَيَعِيْه، وَهَذِهِ لَيْسَتْ حَالَ أَكْثَرِ النَّاسِ.
- (عَبْدُ الرَّزَّاقِ): هُوَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ، مِنْ صِغَارِ أَتْبَاعِ التَّابِعِيْنَ، (ت 211 هـ).
- (مَعْمَرُ): هُوَ مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ الأَزْدِيُّ؛ البَصْرِيُّ؛ نَزِيْلُ اليَمَنِ، من كِبَارِ أَتباعِ التَّابِعِيْنَ، (ت 154 هـ).
- (ابْنُ طَاوُس): هُوَ عَبْدُ اللهِ بْنُ طَاوُسٍ اليَمَانِيُّ - لَمْ يَلْقَ الصَّحَابَةَ - قَالَ مَعْمرٌ: (كَانَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِالعَرَبيَّةِ)، (ت 132 هـ).
- (طَاوُس): هُوَ طَاوُسُ بْنُ كَيْسَانَ الجَنَدِيُّ - بِفَتْحِ الجِيْمِ وَالنُّوْنِ - الإِمَامُ العَلَمُ، مِنَ الوُسْطَى مِنَ التَّابِعِيْنَ، قِيْلَ: اسْمُهُ ذَكوَان؛ وَطَاوُس لَقَبُهُ، (ت 106 هـ).
- قَوْلُهُ (مَا فَرَقُ)؛ هِيَ عَلَى احْتِمَالَاتٍ ثَلَاثَةٍ:
(فَرَقُ): بِفَتْحِ الرَّاءِ وَضَمِّ القَافِ؛ اسْمٌ مِنَ الفَرَقِ، أَيْ: الخَوْفِ. (?)
(فرَّقَ، فَرَقَ): بِفَتحِ الرَّاءِ - مُشَدَّدَةً - وفَتْحِ القَافِ، أَوْ بِفَتحِ الرَّاءِ - مُخَفَّفَةً - وَفَتْحِ القَافِ؛ فِعْلٌ مِنَ التَّفْرِيْقِ وَالتَّمْيِيْزِ.
فَعَلى الأُوْلَى - ولَعَلَّهَا الأَوْلَى أَيْضًا - تَكُوْنُ (مَا) اسْتِفْهَاميَّةً لِلإِنْكَارِ. أَيْ: مَا خَوْفُ هَؤُلْاءِ مِنْ إِثْبَاتِ الصِّفَةِ الَّتِيْ تُلِيَتْ عَلَيْهِم وَبَلَغَتْهُم، لِمَاذَا لَا يُثْبِتُونَهَا للهِ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا أَثْبَتَهَا اللهُ لِنَفْسِهِ وَأَثْبَتَهَا لَهُ رَسُوْلُه؟! وَهَذَا يَنْصَبُّ تَمَامًا عَلَى أَهْلِ التَّعْطِيْلِ وَالتَّحْرِيْفِ الَّذِيْنَ يُنْكِرُوْنَ الصِّفَاتِ، فَمَا الَّذِيْ يُخَوِّفُهُم مِنْ إِثْبَاتِهَا وَاللهُ تَعَالَى قَدْ أَثْبَتَهَا لِنَفْسِهِ؟! (?)
- قَوْلُهُ (يَجِدُوْنَ رِقَّةً عِنْدَ مُحْكَمِهِ): أَيْ: مُحْكَمِ القُرْآنِ، يَعْنِي إِذَا خُوْطِبُوا بِمَا يَعْلَمُوْنَه وَجَدُوا فِي قُلُوْبِهِم رِقَّةً لِذَلِكَ وَقَبُوْلًا.
- قَوْلُهُ (وَيَهُلَكُوْنَ عِنْدَ مُتَشَابِهِهِ): أَيْ: مُتَشَابِهِ القُرْآنِ، يَعْنِي إِذَا سَمِعُوا فِي الكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ شَيْئًا لَا تَعْقِلُهُ عُقُوْلُهُم لَمْ يُسَلِّمُوا بِهِ؛ فَهَلَكُوا عِنْدَهُ وَخَافُوا وَفَرَقُوا وَأَوَّلُوا وَنَفَوا أَوْ جَحَدُوا، وَذَلِكَ هُوَ مِنْ أَسْبَابِ الضَّلَالِ وَالتَّهْلُكَةِ.
وَالمُتَشَابِهُ هُنَا هُوَ حَقِيْقَةُ الصِّفَةِ وَكَيفيَّتُهَا - وَهِيَ الَّتِيْ خَافُوا مِنْ إِثْبَاتِهَا - فَكَانَ عَلَيْهِم أَنْ يَرُدُّوا مَا تَشَابَهَ عَلَيْهِم إِلَى مُحْكَمِهِ، وَهُوَ قَوْلِهِ تَعَالَى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيْعُ البَصِيْرُ} (الشُّوْرَى:11).