ثمَّ أخبر تعالى أنَّ على هؤلاء المرتدِّين، الشَّارحين صدورَهم بالكفر وإنْ كانوا يقطعون على الحقِّ، ويقولون ما فعلنا هذا إلاَّ خوفاً، فعليهم غضبٌ من الله، ولهم عذابٌ عظيمٌ ثم أخبر تعالى أَنَّ سبب هذا الكفر والعذاب ليس بسبب الاعتقادِ للشِّرك أو الجهل بالتَّوحيد، أو البغض للدِّين أو محبَّة للكفر، وإِنَّما سببه: أنَّ له في ذلك حظَّاً من حظوظ الدُّنيا فآثره على الدِّين وعلى رضى ربِّ العالمين. فقال: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} (?) فكفَّرهم تعالى، وأخبر أَنَّه لا يهديهم مع كونهم يعتذرونَ بمحبَّة الدُّنيا. ثم أخبر تعالى أنَّ هؤلاء المرتدِّين لأجل استحباب الدُّنيا على الآخرة هم الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم، وأنَّهم الغافلون. ثم أخبر خبراً مؤكَّداً محقَّقاً أَنَّهم في الآخرة هم الخاسرون.
وهكذا حال هؤلاء المرتدِّين في هذه الفتنة، غرَّهُم الشيطان وأَوهمَهم أَنَّ الخوف عذرٌ لهم في الرِّدَّة، وأَنَّهم بمعرفة الحق ومحبَّته والشَّهادة به لا يضرُّهم ما فعلوه. ونَسَوا أَنَّ كثيراً من المشركين يعرفون الحقَّ، ويحبُّونه ويشهدون به ولكنْ يتركون متابعتَه والعملَ به: محبَّة للدُّنيا وخوفاً على الأنفس والأموال والمأكل والرِّياسات. ثم قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّل اللهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ (?) } فأخبر تعالى أنَّ سبب ما