بِمَا ينفع غَيره أَو يدْفع عَن غَيره الضَّرَر وَجعلُوا ذَلِك عِلّة فعله ليخرج عِنْدهم فعله عَن معنى الْعَبَث وَبِهَذَا الْوَجْه خالفوا الثنوية إِذْ هم أَبَوا الْفِعْل بِغَيْر نفع للْفَاعِل فِيهِ أَن يكون من الْحِكْمَة فأثبتوا الْفِعْل بجوهر الْحِكْمَة عِنْد المزاج ليَكُون فِي خلاصه من جنس جَوْهَر السَّفه فَيصير فعله حِكْمَة على التَّقْدِير بِالشَّاهِدِ مَعَ مَا كَون شَيْء لَا من شَيْء مُمْتَنعا فِي الشَّاهِد فأوجبوا لكلية الْعَالم أصلا مِنْهُ جعل وأنشئ لِأَنَّهُ لَا فصل بَين خُرُوج الْفِعْل عَن حق الْوُجُود فِي الشَّاهِد فَيلْزم دَفعه أَن يكون ذَلِك من حَكِيم فخالفهم أهل التَّوْحِيد فِي هذَيْن ثمَّ ألزم فريق مِنْهُم إِيَّاه مَا فِي الْعقل عِلّة لم يكن لَهُ الْعقل دونهَا لما وجدوا فعل مثله فِي الشَّاهِد عَبَثا وألزموا فِي فعل المضار لَو كَانَ لغير نفع يعقب سفها على مَا ذكرت الثنوية فِي فعل لَا ينْتَفع بِهِ الْفَاعِل
ثمَّ تفَرقُوا فَزعم قوم أَنه لَا ضَرَر فِي الْحَقِيقَة على الْمَفْعُول بِهِ وَإِن سمع مِنْهُ التضرع والشكوى وَزعم قوم أَن عَلَيْهِ فِي الْحَقِيقَة ضَرَرا لَكِن عَلَيْهِ أَن يعوضه عَن ذَلِك ليصير الْفِعْل بِهِ حِكْمَة كالموجود فِي الشَّاهِد مِمَّن يحمل الْمُؤَن الْعِظَام وَشرب الْأَدْوِيَة الكريهة مَعَ الْقَصْد وَقصد الْخراج لتقع العواقب وَلَيْسَ لَهُ فعل الضار بِغَيْر إِلَّا بعوض
قَالَ الشَّيْخ من عرف الله حق الْمعرفَة وَعلم غناهُ وسلطانه ثمَّ قدرته وَملكه فِي أَنه لَهُ الْخلق وَالْأَمر عرف أَن فعله لَا يجوز أَن يخرج عَن الْحِكْمَة إِذْ هُوَ حَكِيم بِذَاتِهِ غنى عليم وَالَّذِي بِهِ الْخُرُوج عَن الْحِكْمَة فِي الشَّاهِد وَيبْعَث صَاحبه عَلَيْهِ جَهله أَو حَاجته وهما منفيان عَن الله فَثَبت أَن فعله غير خَارج عَن الْحِكْمَة وعَلى مَا ذكرت يبطل أَن يكون فعله فِي الْحَرَكَة أَو السّكُون إِذْ هما حاجتان يحلان فِي صَاحبهمَا فيبلغه أَحدهمَا إِلَى تَأمل نَفسه من الرَّاحَة والسلوى