وَالْآخر إِلَى مَا يبلغهُ الهمة وَالرَّغْبَة إِذْ لَا سَبِيل لَهُ إِلَى مَقْصُوده إِلَّا بالتحرك والزوال وَلَا إِلَى دفع الإعياء والتعب إِلَّا بالقرار والسكون فَأَما الله سُبْحَانَهُ إِذْ ثَبت غناهُ وَقدرته بَطل أَن يَعْتَرِيه حَاجَة أَو يَعْتَرِيه همة وعَلى ذَلِك لما ثبتَتْ قدرته وسلطانه وَعلمه بَطل وَصفه بِأَن لَا يقدر على فعل شَيْء ابْتِدَاء لَا عَن شَيْء إِذْ ذَلِك علم الْحَاجة وَآيَة الضعْف وحاجة جَمِيع مَا يحس ويبلغه علم الْبشر هِيَ الدّلَالَة على تَقْدِير الْعَالم وعالم بِهِ قدير غنى لم يجز إِزَالَة ذَلِك بِالَّذِي عرف غناهُ وَقدرته وحكمته وَعلمه وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه فَلذَلِك لزم القَوْل بضرورة الْعقل لجَوَاز كَون الْعَالم لَا عَن شَيْء وَخُرُوج فعله على الْحِكْمَة وَإِن عجزت عقول حكماء الْعَالم عَن إِدْرَاكهَا لخُرُوج وَجه الْحِكْمَة عَن نِهَايَة قُوَّة عُقُولهمْ على مَا بَينا من كَون شَيْء لَا عَن شَيْء وَمن جَوَاز فعل مِمَّن لَا ينْتَفع بِهِ وَبِذَلِك تظهر حَقِيقَة الْأَمر لَهُ وَأَن لَهُ الْخلق وَالْأَمر وَلكُل ذِي ملك أَن يفعل فِي ملكه على قدر مَا ملك مِنْهُ مَا شَاءَ ولاقوة إِلَّا بِاللَّه

ثمَّ الأَصْل أَن الْجور والسفه قبيحان وَأَن الْعدْل وَالْحكمَة حسنان فِي الْجُمْلَة لَكِن شَيْئا وَاحِدًا قد يكون حِكْمَة فِي حَال سفها فِي حَال جورا فِي حَال عدلا فِي حَال نَحْو مَا ذكرت من شرب الْأَدْوِيَة ثمَّ أكل الْأَشْيَاء وشربها ثمَّ إِتْلَاف الْأَشْيَاء وإبقاؤها من أَنْوَاع الْجَوَاهِر مَا للحاجات أَو للمجازات أَو لحقوق أَو لنَحْو ذَلِك وَإِذ ثَبت حسن الْحِكْمَة فِي الْجُمْلَة وَالْعدْل وقبح السَّفه والجور وَلزِمَ وصف الله تَعَالَى فِي كل فعل خلقه فِي أقل مَا يُوصف أَنه حِكْمَة وَعدل أَو فضل وإحسان من حَيْثُ ثَبت أَنه جواد كريم غنى عليم وَبَطل أَن يلْحقهُ وصف الْجور والسفه لما كَانَ سببهما الْجَهْل وَالْحَاجة قد ثَبت انقسام الشَّيْء الْوَاحِد على الْجور وَالْعدْل وعَلى الْحِكْمَة والسفه سببهما الْجَهْل وَجَائِز خفى وَجه ذَلِك على النَّاظر المتأمل أَو هُوَ بالحس يُرِيد الإطلاع على الْعلم بِهِ وَقد ثَبت احْتِمَال الْوَجْهَيْنِ لايقع على وَاحِد مِنْهُمَا الْحس وَعلم المتأمل ذَلِك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015