الظلمَة هِيَ الَّتِي بَغت على النُّور ثمَّ تخلص مِنْهَا فَأَما أَن يكون التَّخَلُّص مِنْهُ بالجوهر وَذَلِكَ محَال لِأَنَّهُ لم يمْتَنع مِنْهَا بِهِ مَعَ مَا يُوجب تخلص أَجْزَائِهِ من حبس الهمامة وَلَيْسَ فِيمَا علاهُ مَوضِع يسير إِلَيْهِ مَا انتزع مِنْهَا إِذْ غير هَذَا الْجَانِب غير متناه وَهُوَ التخليص يرجع إِلَى مَا لَا نِهَايَة فَلَا يجد لنَفسِهِ مَوضِع قَرَار فَلَا معنى للتخلص إِلَّا أَن يكون الظلمَة تَدْفَعهُ عَن نَفسهَا فَيكون دَفعه خيرا إِذْ كَانَ حَبسه شرا مَعَ مَا إِذا دفع أجزاءه وَمَا علا لَيْسَ إِلَّا أجزاؤه فَهُوَ يدْخل بعضه وَلذَلِك نِهَايَة لكنه كَانَ يحْبسهُ فِي جوهره ثمَّ قهر كُلية النُّور فَجعله سجنا لنَفسِهِ يحبس فِيهِ عدوه فَيصير عدوه بجوهره حَبِيسًا لنَفسِهِ
وَبعد فَإِن الظلمَة لَيْسَ لَهَا فِي غير وَجه الإمتزاج حد فَهُوَ الى مَاذَا يصير بالتخلص فَهُوَ يبين أَن لَا معنى للتخلص وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله ثمَّ الْعجب من قَوْلهم إِن الْخَيْر كُله فِي الْعَالم من جَوْهَر النُّور فَمن أَيْن يكون مِنْهُ الْخَيْر وَهُوَ المقهور الْمَحْبُوس وَالْفِعْل كُله من الآخر ليحبسه بِهِ فَلَيْسَ من النُّور غير الْبَقَاء فِي سجن الآخر ووثاقه فَمن يجنى مِنْهُ خير إِلَّا أَن يرى ذَلِك من سَائِر الْأَجْزَاء الَّتِي لم تَبْغِ عَلَيْهِ فَيلقى أجزاءه فِي حبس آخر وَذَلِكَ هُوَ الشَّرّ وأنى لملك الْخَيْر وَهُوَ كُله فِي الْخَلَاص وَهُوَ غير مَمْنُوع
ثمَّ التَّنَاقُض أَنهم جعلُوا التباين بالجوهر فمحال امتزاجهما وهما بالجوهر متباينين وَذَلِكَ قَائِم بِحَالهِ إِذْ هم يرَوْنَ الإمتزاج غيرا على أَنه يُقَال لَهُم الإمتزاج