ثالثا: ترويض النفس وجهادها على لزوم الصدق والإخلاص لله عز وجل، مع نكران الذات والتواضع غير المصطنع.
رابعًا: التعود على بذل الجهد في سبيل الله.
وسيأتي -بإذن الله- بيان ذلك كله بشيء من التفصيل في الصفحات القادمة.
عندما تكتمل هذا الحلقات الأربع، سيحدث -بإذن الله- التغيير الحقيقي للفرد، ومن ثم الأمة.
والتغيير المطلوب ليس تغييرًا لحظيا بل تغييرًا يحدث أثرًا إيجابيًا دائمًا، وهذا يستلزم التربية الصحيحة لأفراد الأمة؛ هذا إن أردنا إصلاحًا حقيقيًا.
ولنعلم جميعا بأنه مهما ألقيت الدروس والمواعظ، ومهما نشرت المقالات، إلا أنها -مع أهميتها- لن يكون لها نفع حقيقي ودائم إلا إذ مورست من خلال منظومة تربوية تُعني بإحداث أثر إيجابي دائم -وليس لحظيا- ينتج عنه ظهور المؤمن الصالح المصلح.
إن التغيير المنشود للأمة يستلزم تربية أفرادها تربية صحيحة متكاملة، والتربية تحتاج إلى استمرارية ممارسة معاني الإسلام من خلال جو تربوي تتم فيه المعايشة والتعاهد وبث الروح وضبط الفهم وتوجيه الجهد واستنهاض الهمم .. هكذا فعل محمد صلى الله عليه وسلم وهو يبني الأمة الجديدة ... تأمل قوله تعالى وهو يخاطبه: "وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا" [الكهف: 28].
لقد كان محمد صلى الله عليه وسلم يقوم على تربية أصحابه وتعاهدهم ودوام توجيههم وذلك في المرحلتين المكية والمدينة ... ففي مكة كان يمارس ذلك من خلال تواجده المستمر بينهم، ولقائه الدائم بهم في دار الأرقم بين أبي الأرقم عند الصفا، وفي المدينة استمر في التربية والتعليم من خلال المسجد، ومن خلال التواجد المستمر بين أصحابه ومعايشتهم ومتابعة أحوالهم "هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ" [الجمعة: 2].
لابد إذن من أن يقوم الدعاة بالتواجد بين الناس وممارسة معاني الإسلام معهم حتى يتم التغيير المنشود، ولقد كان هذا هو دأب الرسل -عليهم الصلاة والسلام- .. تأمل قوله تعالى في قصة هود عليه السلام: "وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ" [هود: 58].
وفي قصة شعيب عليه السلام: "قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا" [الأعراف: 88].
وفي قصة موسى عليه السلام: "قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ" [غافر: 25].
فالملاحظ في هذه الآيات قوله تعالى عن أتباع كل رسول: (الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ)، ولم يقل: «آمنوا به»، فـ (مع) تعطي دلالة على المعية والصحبة والمعايشة، و (به) لا تعطي ذلك، وهذا يحمل في طياته بعض الدلالات على أن كل رسول لله كان يقوم على تربية من يؤمن بالدعوة ولا يكتفي بتعليمهم فقط.
لا بديل -إذن- عن التربية إن أردنا تغييرًا حقيقا، ومن ثم فإن على جميع الدعاة والعاملين للإسلام أن يكون هذا هو هدفهم الأساس حين يتعاملون مع الناس، وأن يوحدوا جهودهم ولا يبعثروها في غير هذا المجال حتى تبدأ الأمة في اليقظة الحقيقية ..