لابد وأن يكون عمل كل من يريد خدمة الإسلام من خلال التواجد بين الناس ... يأكل مما يأكلون منه، ويشرب مما يشربون، وليس ذلك فحسب بل عليه أن يكون هدفه من تواجده بينهم هو التربية وإحداث أثر إيجابي دائم في ذواتهم من خلال المحاور الأربعة للتربية.

إن المطلوب من خلال التواجد بين الناس ليس فقط مساعدة الفقراء، أو البحث عن عمل للعاطلين أو مواساة المبتلين، أو الصلح بين المتخاصمين، أو افتتاح مراكز لتحفيظ القرآن، أو عقد الندوات، أو .... ، فكل هذا مع أهميته إلا أنه لا بد أن يوضع في سياق المنظومة التربوية التي تهدف إلى التغيير الشامل والدائم في شخصية المسلم كما أسلفنا، وألا يتم التعامل معها على أنها جُزُر منعزلة ووسائل منفصلة عن بعضها البعض.

من هنا نقول بيقين: إن معركة الإصلاح والتغيير الحقيقي للأمة روحها التربية، ولابد أن يتم تطويع جميع الوسائل لخدمة هذا الأمر، فإن تركنا هذه المعركة فسنظل في أماكننا نراوح بين أقدامنا، ونشتكي من كثرة المحن والابتلاءات التي تمر بالأمة، وسيعلو صراخنا ونحيبنا، وترتفع أيدينا بالدعاء والتضرع إلى الله كلما أصاب المسلمين جرح جديد، وسيعلو صوت الدعاة في الفضائيات وعلى المنابر بأهمية العودة إلى الله، وتغيير ما بالنفس، ثم تهدأ العاصفة ويستقر الجرح في جسد الأمة ويتعود على وجوده الجميع، ثم يتكرر الأمر بعد ذلك مع جرح جديد وهكذا ...

فإن قلت: ولكن هل من الضروري تربية الأمة جميعا؟!

ليس المطلوب أن يكون جميع الأفراد على مستوى عال ورفيع من الصلاح، فسيظل هناك السابق بالخيرات، والمقتصد، والظالم لنفسه، ولكن يبقى من الضروري توافر الحد الأدنى للصلاح في الأمة.

فالمطلوب هو إصلاح المجتمع بأن تشيع فيه روح الإسلام ومعانيه، وأن تغلب عليه مظاهر العفة، والتراحم، والتعاون على البر والتقوى، ونكران الذات، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واستشعار المسؤولية تجاه الأمة والبشرية، وفي المقابل تختفي منه مظاهر السلبية والأنانية والإعجاب بالنفس والتفسخ الأخلاقي، والإباحية ... ، وهذا لن يتم إلا بجهد تربوي متقصد يبذله الدعاة والعاملون للإسلام مع الناس ... كلٌ يعمل في محيطه.

الجمرة المشتعلة:

لكي ينجح الدعاة والعاملون للإسلام وكل من يتوق لخدمة الإسلام .. لكي ينجحوا جميعًا في تغيير وإصلاح الأمة لابد من أن يبدأوا مع أنفسهم فتتمثل فيهم معاني الإسلام التي يريدون أن يربوا الناس عليها.

إن الخطأ الشائع الذي يقع فيه بعض الدعاة هو مطالبة الناس بشيء لا يفعلونه هم مع أنفسهم، فتفقد كلماتهم الروح والحرارة والتأثير في الآخرين.

لذلك فإن نقطة البداية الصحيحة لتربية الأمة تنطلق من وجود الفرد المسلم المتوهج الذي تتمثل فيه معاني الإسلام والحرقة على الدين، وبدون هذه البداية لا يمكن للعملية التربوية أن تنجح.

فعلى سبيل المثال: لو أردنا إشعال مجموعة من الفحم فإننا -في الغالب- نقوم بإحضار فحمه مشتعلة ومتوهجة ونضعها وسط مجموعة الفحم، ثم نقوم بتحريك الهواء عليهم جميعا فينتقل الإشعاع والتوهج من الفحمة المتوهجة إلى بقية الفحم ... فإن كان توهج الفحمة -الأساسية- متوسطا كان الأثر على بقية الفحم محدودًا وضعيفا، وإن كان التوهج ضعيفا فمن المتوقع ألا نري أثرًا لتوهج في عموم الفحم، وقد تنطفئ الفحمة ذات التوهج الضعيف بمرور الوقت، فعلي قدر توهج الفحمة «الأساس» يكون الأثر على من حولها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015