فالخطوة الأولى -إذن- في طريق استكمال نواقصنا التربوية هي الصدق في طلب ذلك، والعزم الأكيد على تزكية عقولنا وقلوبنا وأنفسنا وجهدنا، وأن نكون ممن عناهم الله -عز وجل- بقوله: "فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ" [المائدة: 54]، فعلي قدر العزم يكون المدد: "فَإِذَا عَزَمَ الأمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ" [محمد: 21]، فالخير كله -كما يقول ابن رجب- منوط بالعزيمة الصادقة على الرشد، وهي الحملة الأولى التي تهزم جيوش الباطل، وتوجب الغلبة لجنود الحق.
قال أبو حازم: إذا عزم العبد على ترك الآثام، أتته الفتوح.
وسُئل بعض السلف: متى ترتحل الدنيا من القلب؟ قال: إذا وقعت العزيمة ترحلت الدنيا من القلب، ودرج القلب في ملكوت السماء، وإذا لم تقع العزيمة اضطرب القلب ورجع إلى الدنيا.
ويستطرد ابن رجب قائلا:
مَن صدق العزيمة يئس منه الشيطان، ومتى كان العبد مترددا طمع فيه الشيطان، وسُّوَّفه ومناه.
يا هذا: كلما رآك الشيطان قد خرجت من مجالس الذكر كما دخلت،
وأنت غير عازم على الرشد فرح بك إبليس (?).
فعون الله للعبد على قدر قوة عزيمته وضعفها، فمن صمم على إرادة الخير أعانه الله وثبته (?).
فالبداية-إذن- عزم أكيد ثم الاستعانة الصادقة بالله في تحقيق هذا العزم:
"فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ" [آل عمران: 159].
ولنعلم جميعًا أن الله -عز وجل- وحده هو الذي يملك إمدادنا بما عزمنا عليه، وأنه سبحانه يريد أن يرى منا صدقنا فيما نعزم، وأهم صورة لإظهار هذا الصدق هو الإلحاح عليه، والتضرع بين يديه .. تضرُّع واستغاثة تشبه استغاثة الغريق الذي يستغيث بمن حوله ليسارعوا في إنقاذه.
يقول صلى الله عليه وسلم: «إذا دعا أحدكم فلا يقل: اللهم اغفر لي إن شئت، وليعزم المسألة، وليُعظم الرغبة، فإن الله لا يعظم عليه شيء أعطاه» (?).
وبعد صدق العزم والتوكل على الله علينا أن نشرع في استكمال ما ينقصنا من جوانب التربية المختلفة، وإن كان من الأفضل أن نبدأ بالتربية الإيمانية كما أسلفنا ونتبعها بعد ذلك بالجوانب الأخرى حتى يتحقق التوازن التربوي بعون الله.
ولعل من أهم الأسباب التي تعين المرء على الاستمرار في تربية نفسه وبذل جهده في سبيل الله هو وجوده في وسط صالح، وصحبة طيبة، إذا نسي ذكروه، وإذا عزم أعانوه، وإذا غاب تفقدوه "وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا" [الكهف: 28].
وفي النهاية نسأل الله عز وجل أن يتقبل منا ما وفقنا إليه، وأن يعيننا جميعًا على استكمال ما ينقصنا لكي نكون عبيدًا مخلصين له غير ضالين ولا مضلين.
والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.