ومعناه كذلك الاهتمام الشديد بتنشئة الأطفال تنشئة صحيحة قدر المستطاع حتى يستقيم عودهم منذ البداية.
لو أن صاحب شركة من الشركات قد أيقظه رنين الهاتف في منتصف الليل، وأخبره المتصل بأنه قد حدث حريق في الشركة .. ماذا تتوقع أن يكون رد فعله؟ هل سيقول في نفسه: سأذهب لأطمئن على الوضع في الصباح ثم يستكمل نومه؟ بالتأكيد سيفزع ويشعر بالخطر الشديد، ويسارع إلى الشركة باذلا غاية جهده في محاولة تقليل الخسائر وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، فالشعور بالخطر هو الذي يحرك العزائم، ويستنفر الطاقات المخزونة في ذات الإنسان؛ ولقد أكد هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم: «من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل» (?).
من هنا نقول بأن استشعار خطر ترك التربية الصحيحة المتكاملة المؤثرة للفرد والأمة هو البداية الصحيحة لتدارك ما فات، واستكمال ما نَقُص، ولعل ما قيل في الصفحات السابقة يكون سببًا -بإذن الله- لإشعارنا بالقلق والخطر وبحاجتنا إلى التربية، ويدفعنا لاستكمال ما ينقصنا، ويجعلنا دوما في حالة من التوقد والإيجابية.
قبل أن نبدأ رحلة استكمال ما ينقصنا، علينا أن نتذكر حقيقة مهمة وهي أن الله عز وجل هو الذي يزكي ويربي، فهو سبحانه: "خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ" [الزمر: 62].
وأمر صلاحنا وفلاحنا في خزائنه "وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ" [الحجر: 21].
ولقد جعل سبحانه أهم سبب لإمداد الإنسان بما يصلحه هو: وجود الرغبة الأكيدة لديه، كما في الحديث القدسي: «يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم» (?).
فالحديث يؤكد على أن الهداية من عند الله، وأنه سبحانه يمنحها من يسألها ويريدها، ومما يؤكد هذا المعنى قوله تعالى: "وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" [النور: 21].
فالله عز وجل هو الذي يُزكي .. هذه هي الحقيقة، ولكن يُزكي من؟!
يزكي من يراه مستعدا ومريدًا للتزكية، ولهذا ختمت الآية بقوله: (وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
فالإمداد بحسب الاستعداد، وعلى قدر الصدق في طلب الشيء يكون المدد من الله عز وجل، كما قال صلى الله عليه وسلم: «إن تصدق الله يصدقك» (?).
فمن يرد الخير بصدق يدله الله عليه ويمنحه إياه «ومن يتحر الخير يعطه ومن يتق الشر يوقه» (?).
ومن يصدق عزمه في طلب العفة يعفه الله «ومن يستعفف يعفه الله» (?).
ومن يصدق عزمه في طلب العلم يعلمه الله «إنما العلم بالتعلم».