(إن القلب البشري سريع التقلب، سريع النسيان، وهو يشف ويشرق فيفيض بالنور ... فإذا طال عليه الأمد بلا تذكير ولا تذكر، تبلد وقسا، وانطمست إشراقته، وأظلم وأعتم، فلابد من تذكير هذا القلب .. ولابد من اليقظة الدائمة كي لا يصيبه التبلد والقساوة) (?).
لعل في عتاب الله -عز وجل- للصحابة ما يجعلنا نجتهد دوما في الإمداد التربوي المستمر لذواتنا .. هذا العتاب نجده في قوله تعالى: +أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلاَ يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ" [الحديد: 16].
وقد روي أن المؤمنين كانوا مجدبين بمكة، فلما هاجروا أصابوا الرزق والنعمة ففتروا عما كانوا عليه من الخشوع، فنزلت الآية.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه: ما كان بين إسلامنا وبين أن عوتبنا بهذه الآية إلا أربع سنين، والآية مدنية بالإجماع، ولعل المقصود (هجرتنا) بدل (إسلامنا) كما يقول د. عبد الستار فتح الله، وذلك للجمع بينها وبين الرواية التالية:
عن ابن عباس رضي الله عنهما: إن الله استبطأ قلوب المؤمنين فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن الكريم (?).
فمهما تقدم عمر المرء، ومهما ارتقى في سلم المسئولية فلابد له من الاستمرار في التربية حتى يستمر قيامه بحقوق العبودية لله عز وجل، وأن تشمل هذه التربية المكونات الأربع السابق ذكرها.
ثمرة التربية هي ظهور المسلم الصالح المصلح، أو بعبارة أخرى: ظهور المسلم العالم بربه، الفاهم لدينه، العارف بزمانه الذي تتمثل فيه معاني الإسلام بصورة صحيحة من إخلاص لله، وإحسان في عبادته، وتضحية من أجله، وعمل دائب في سبيله، وصبر وثبات على طريقه، وأخوة صادقة مع إخوانه المسلمين .. ويصبغ هذا كله بصبغة التواضع ونكران الذات.
هذا الثمرة ينبغي أن تكون نتاج الجهد الذاتي الذي يبذله الفرد مع نفسه، ويبذله معه المربون (كالأبوين وغيرهما) على مسار حياته. ولكن الواقع لا يقول ذلك، فعلى الرغم من الجهد الكبير الذي يُبذل في مجال التربية إلا أن الشكوى متكررة من عدم ظهور الثمرة المرجوة من هذا الجهد.
ولأن التربية هي الطريق الصحيح للتغيير ومن ثم إصلاح الفرد والأمة، فلا مناص من التفكير العميق الجاد في هذه الشكوى والبحث عن الأسباب الحقيقية لعدم ظهور الثمرة ولعل الصفحات السابقة قد ألقت الضوء على بعض هذه الأسباب، إلا أن هناك أسبابًا أخرى تسهم -إلى حد كبير- في عدم ظهور ثمرة التربية، منها: عدم وجود الاستعداد الكافي لدي الفرد للتربية والتغيير.
ومنها كذلك اكتمال ملء الفراغات التكوينية الرئيسة في شخصيته -سواء كان ذلك بطريقة صحيحة أو خاطئة- مما يحول بينه وبين حسن التلقي لأي جديد، ومن ثم التغيير.
من أهم عناصر نجاح العملية التربوية: وجود الاستعداد للتلقي والتوجيه والتغيير لدي الفرد.
هذا الاستعداد يكون كبيرًا في الصغر، ويتناقص بمرور الأيام والشهور والسنين.
وتحليل ذلك أن الطفل بعد ولادته يبدأ شيئًا فشيئًا في تحسس خطواته في الدنيا فيفاجأ أنه يحتاج إلى الكثير والكثير كي يستطيع التعامل مع الموجودات المختلفة.