فَصْلٌ فِي التَّحَرِّي فِي المِيَاهِ المُشْتَبَهَةِ

إذا اجتمع من الماء أوانٍ: بعضها طاهرٌ، وبعضها نجس، واشتبه عليه، له أن يجتهد؛ فأيها أدى اجتهاده إلى طهارته، توضأ به؛ سواء كانت الغلبة للأواني الطاهرة، أو النجسة. وكذلك الثياب إذا اشتبه عليه فيها الطاهر من النجس، يجتهد. وهل له أن يأخذ بغلبة الظن، من غير أن يجد نوعاً من الدليل؟ فيه وجهان:

أحدهما: لا، حتى يرى نوعاً من الدليل من نقصان في أحد الإناءين، أو حركة، أو بلل على طرفه، أو أثر قدم الكلب قريباً منه؛ يستدل به على أن الكلب شرب منه؛ كما في القبلة إذا اشتبهت عليه، لا يجوز أن يأخذ فيها بغلبة الظن من غير دليل؛ وبه قطع العراقيون.

والثاني- وهو الأصح-: يجوز؛ بخلاف القِبلةِ؛ لأن لها علامات ظاهرة تدل عليها، ولا دليل على طهارة الماء إلا غلبة الظن؛ فإن لم يغلب على ظنه طهارةُ واحد منها، ولم يكن معه ماء طاهر بيقين- يصلي بالتيمم، ثم يعيد؛ لأنه صلى بالتيمم، ومعه ماء طاهر. وكذلك في الثوبين، إذا لم يؤد اجتهاده إلى طهارة واحدة منها يصلي عرياناً، وأعاد.

وإن أراق الأواني، أو خلط البعض بالبعض؛ حتى نجس الكل- صلى بالتيمم، ولا إعادة عليه؛ لأنه ليس معه ماء طاهر، ولا يجعل كإراقة الماء سفهاً؛ لأن إراقته- ها هنا لغرض؛ وهو الخلاص عن الاجتهاد، ومن أراق الماء لغرضٍ، وصلى بالتيمم- لا تجب عليه الإعادة.

أما إذا اجتهد وأدى اجتهاده إلى طهارة أحدها، ثم أراقها، أو أراق الذي أدى اجتهاده إلى طهارته- فهو كما لو [أراقه سفهاً].

وقال أبو حنيفة رحمه الله: "لا يجوز الاجتهاد في الأواني، إلا أن تكون الغلبة للطاهر؛ فنقيس على الثياب؛ فإن الاجتهاد فيها جائز، وإن كان عدد النجس فيها أكثر، وكذلك الاجتهاد في القبلة جائز، وإن كانت جهةُ الصواب فيها أقل.

وإذا استعمل أحد الإناءين بالاجتهاد، يُستحب له أن يريق الآخر، إلا أن يخاف

طور بواسطة نورين ميديا © 2015