{الْآخِرَةِ} [آل عمران: 176] ونحو هذه الآيات التي يفسرها المعتزلي بالخذلان وهو الإضلال واعلم أنه تعالى لا ييسر عبدًا للعسرى إلا عقوبة على سالف إساءته كما قال تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام: 110] وكقوله: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم: 59] فجعل علة التقلب والطبع عدم انقيادهم لرسله وذلك أنه تعالى قد فطر عباده على الهدى فمن بقي على الفطرة وقبل ما جاءت به الرسل زاده هدى ولطفًا وتوفيقًا ومن غير الفطرة وكذب الرسل يسر للعسرى وخذله ثم اعلم أن إرادته تعالى الخير بعباده وإرادته الشر لا يستلزم وقوع المراد منهم ضرورة أنه أراد ذلك منهم مع بقائهم مختارين كما أراد الإيمان منهم فهو أراد وقوع الخير منهم وهم مختارون فقد يقع ما أراده تعالى منهم وقد يتخلف وهذا بخلاف ما يريده تعالى من أفعاله فإنه لا يتخلف عن إرادته وقوع مراده مثل قوله تعالى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: 40] بخلاف الأول ومنه: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 27] فإن المراد يريد منكم أن تتوبوا فيتوب عليكم أي يتقبل توبتكم إلا أن مع إرادته تعالى الخير بعبده يكون أقرب إلى فعل ما أراده منه لأنه من اللطف وعكسه إرادته بعبده الشر إذا عرفت هذا فاجعل هذا البحث نصب عينيك فقد زلت بجهله عوالم وقد تهاوش حوله طوائف ولم يقع لهم محررًا مقررًا ولعلنا لا نكرره وقد بسطناه في إيقاظ الفكرة بسطا شافيًا (جعل صنائعه ومعروفه) الصنعة بالمهملات هي الإحسان والمعروف العطف للمعروف وعليها تفسيري (في أهل الحفاظ) بزنة كرام مصدر والمراد بهم أهل الدين والأمانة الذين يحفظون المعروف ولا يضيعونه ويكافئون عليه بالدعاء والثناء ونحوهما فتربوا صنائعه عند الله بالدعاء لفاعلها وعند العباد بحسن الذكر