(قال لي جبريل) مخبراً عن نفسه بشدة غضبه لربه على من عصاه وفائدة الإخبار إفادة أصل الخبر وليقتدي السامع بالملائكة عليهم السلام في الغضب على العصاة وذلك لأن الملائكة معصومون، فكل ما يأتونه طاعة والاقتداء بأهل الطاعات شأن أهل الإيمان. (لو رأيتني) يا محمَّد حين قال فرعون عند إدراك الغرق: {آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس: 90]. (وأنا آخذ من حال البحر) بالحاء المهملة أي طينه الأسود المنتن. (فأدشه في فيّ فرعون) في فمه لئلا يتلفظ بما ينجيه. (مخافة) نصب على المفعول لأجله أي خوفا مني. (أن تدركه الرحمة) لشدة غضبي عليه بما أتاه من أقبح الأفعال، قال الشارح: إنما فعل ذلك غضبا لله لا أنه كره إيمانه فإن كراهة إيمان الكافر كفركما قالوه، وفي الكشاف (?): أنه دسه في فيه للغضب على الكافر في وقت قد علم أن إيمانه لا ينفعه، قال وأما ما يضم إليه من زيادة مخافة أن تدركه الرحمة فمن زيادات الباهتين لله ولملائكته لأن الإيمان يصح بالقلب فحال البحر لا يمنعه، قال الشارح: قد يجاب بأن جبريل أراد شغل قلبه لا لسانه، وفي الإتحاف أن كلام الكشاف مختل رواية ودراية، أما الرواية فلأنه أنكر لفظه مخافة أن تدركه الرحمة ولم ينكر سائر الحديث ولم يفصل الروايات المعتبرة بين أول الحديث وآخره، وأما الدراية فلأنه اعتمد على أن الإيمان يصح بالقلب دون اللسان وهو كلام خارج عما تضمنه الحديث إذ لا نزاع أن فرعون تكلم بكلمة الإيمان ولكن لم يقبل منه كما لم يقبل من سائر الكفار كما في الآية التي أسلفنا.
قلت: يريد أنه لا يقبل الإيمان من الكافر عند معاينة الهلاك كما قال تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} إلى قوله: {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ [3/ 191] إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا} [غافر: 85] فكذلك إيمان فرعون كان عند