لمراوحة الأعمال، وقد رويت مفردة نظرًا إلى الجنس، والنية: هي القصد إلى الفعل والعزم عليه، ومحلها القلب، ولا تعلق لها باللسان أصلاً، ولذلك لم ينقل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أحد من أصحابه، تلفظ بها في حال من الأحوال، قال الشيخ أبو محمد المقدسي: وهذه العبارات التي عند افتتاح الطهارة والصلاة قد جعلها الشيطان معتركًا لأهل الوسواس يحبسهم عندها، ويعذبهم بها ويوفقهم في طلب تصحيحها فترى أحدهم يكررها ويجهد نفسه في التلفظ بها، وليست من الصَّلاة في شيء، هذا والظرف [ص: 11] متعلق بمقدر، واختلف في تعيينه، فقيل: يقدر تعتبر، وقيل: يكمل، وقيل: يصح، وقيل: يحسن، وقيل: يستقر، قال الطيبي: كلام الشارع محمول على بيان الشرع, لأن المخاطبين هم أهل اللسان، فكأنهم خوطبوا بما ليس لهم به علم، إلا من قبل الشارع، فيتعين الحمل على ما يفيد الحكم الشرعي، قال ابن دقيق العيد: تقدير صحة الأعمال أرجح؛ لأنَّ الصحة أكثر لزومًا للحقيقة من الكمال، فالحمل عليها أولى انتهى، وقد أطلنا البحث في حواشي شرح العمدة في الأرجح من الأقوال.
(وإنما لكل امرئ ما نوى) جملة تفيد أن كل عامل لا يحصل له إلا ما نواه، والأولى أفادت أن العمل تبع للنية وهما غيران، وقال ابن عبد السَّلام: والجملة الأولى: لبيان ما يعتبر من الأعمال، والثانية: لبيان ما يترتب عليها من الثواب (فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله) الفاء فصيحة أي إذا عرف أنَّ الأعمال تعتبر بالنيات، والهجرة الترك، وإلى الشيء الانتقال إليه عن غيره، وفي الشرع: عبارة عن ترك ما نهى الله عنه، ووقعت في الإسلام على وجهين: الأولى: الهجرة من دار الخوف إلى دار الأمن. كهجرة الحبشة، وكذا الهجرة من مكة إلى المدينة، والثانية: الانتقال من دار الكفر إلى دار الإيمان، وذلك بعد استقرار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة، (فهجرته إلى الله ورسوله) هو من باب أنت أنت أي الصديق الخالص أو أنه أقام السبب مقام المسبب والمراد بالثاني فقد استحق