مصائب الدنيا التي لا بد لكل إنسان منها فإنه لا بد للعبد من الأنواع الثلاثة من الصبر صبر على أداء الأوامر من الطاعات حتى يؤديها كما أمر وصبر عن المناهي من المخالفات حتى لا يقع فيها وصبر على الأقدار والأقضية حتى لا يتسخطها ويرجع الدين كله إلى هذه القواعد الثلاث صبر على فعل المأمور وصبر على ترك المحظور وصبر على الأمر المقدور.

واعلم أنه - صلى الله عليه وسلم - جمع في هذا الحديث بين الصبر والشكر كما جمع الله بينهما في أربع آيات من كتابه ووجه الجمع بينهما أنهما رضيعا لبان في التكليف ولذلك قال ابن مسعود: الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر، ووجهه أن الإيمان اسم لمجموع القول والعمل والنية وهي ترجع إلى أمرين فعل وترك فالعمل هو العمل بطاعة الله وهو حقيقة الشكر والترك هو الصبر عن المعصية والدين كله في هذين الأمرين فعل المأمور وترك المحظور فلهذا كان ضيعي لبان، وقد ذكرنا في ذلك الكتاب عشرة وجوه في وجه التصنيف، هذا أحدها، وحققنا هنالك أن الصبر والشكر يدخل كل واحد منهما في حقيقة الآخر ولا يمكن وجود أحدهما إلا بالآخر وقدم - صلى الله عليه وسلم - سؤال الشكر على الصبر لأنّ نعم الله متقدمة على التكاليف فإنها من حين ينفخ في روحه بخلاف طلب الصبر فإنما هو للإعانة على التكاليف فهو متأخر وأما في الآيات الأربع فاطرد تقديم صفة الصبر على الشكر لسر يعرفه من له ذوق من سياق الآيات (واجعلني في عيني صغيرًا) متواضعًا غير متكبر ولا رائيًا لنفسه حقًا على غيره (وفي أعين الناس كبيرًا) مكرمًا عندهم مصون العرض مشكوراً عندهم محبوبًا (البزار عن بريدة) تصغير بردة تقدم مرارًا (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015