المراد العفو عنه حتى عن المطالبة في الآخرة؟ ظاهر الحديث العموم كما هو ظاهر الآيات الدالة على ذلك مثل {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} [آل عمران: 134] (?) ونقل عن الشافعي أن مذهبه ترك التحلل عن الظلامات والتبعات أولى لأن صاحبها يستوفيها يوم القيامة من حساب من هي عنده أو توضح سيئاته على من هي عنده كما يشهد له الحديث الوارد في القصاص يوم القيامة وهو لا يدري هل يكون أجره على التحليل موازنًا لماله من الحسنات في الظلامات أو يزيد أو ينقص وهل يحتاج زيادات حسناته ونقصان سيئاته. ومذهب غير الشافعي أن التحليل أفضل مطلقا وأدلة هذا الأخير أوضح وقال المحقق المقبلي: أما التعليل لقول الشافعي فغير صحيح لأن جزاء الكريم على العفو [1/ 371] أكثر من الأصل لأنه يجزي بالحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة واختار لنفسه غير القولين وهو التفويض إليه تعالى زاعمًا أن أدلة التفويض شاملة لذلك ولم يناف أدلة العفو إذ من فوض إلى الكريم الجواد العفو الحليم فقد قام بحق العفو وحق التفويض والأدب مع سيده الحليم انتهى.

وأقول: هذا الحديث صريح في أفضلية العفو والتفويض ليس بعفو ضرورة أنه لم يسقط حقه ولما ذكر الله الفريقين المنتصر والعافي نوه بذكر العافي وعظم أجره ولم يصف المنتصر إلا بأنه ليس عليه سبيل فقال: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} [الشورى: 41] ثم قال: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى: 43] فهذا الفرقان بين الشخصين دال على أرجحية العفو أتم دلالة فإن الانتصار شامل لطلب الظلامة في الدارين وحديث المتصدق بعرضه وما ورد فيه من أدلة ذلك وهو أبو ضمضم كما أخرجه أبو داود والضياء وصحَّحه عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أيعجز أحدكم أن يكون مثل أبي ضمضم كان إذا خرج من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015