ونهى فيها عن الفحشاء وهو ما عظم من الفواحش وعن المنكر وهو ما تنكره العقول والشرائع وعن البغي وهو طلب التطاول بالظلم فالآية قد دخل فيها كل حسن يجب الأمر به وكل قبيح يجب النهي فقد جاءت بأحسن الأمور أمرًا ونهيًا (وأخوف آية في القرآن) أزيدها مخوفية فهو من المبني للمفعول {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)} [الزلزلة: 7، 8] الذرة النملة الصغيرة، وقيل: الذرة ما يرى في شعاع الشمس من الهنا، والمثقال: مقدار من الوزن أي شيء كان من قليل أو كثير فمعنى مثقال ذرة وزن ذرة.
فإن قلت: لم كانت أخوف آية وقد تساوي بين الخير والشر فيها فليس فيها تغليب جانب الشر حتى تتولد فيه الأخوفية، وهل هي إلا مثل قوله: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: 286]؟
قلت: لما كان ما يفعله البشر من الشر أضعاف ما يفعله من الخير دلت الآية على المناقشة في الحساب رؤية كل ما قدمه من خير وشر والاستقصاء في التفتيش لا جرم كانت أخوف آية.
إن قلت: إن أريد المؤمن فسيئاته الصغائر مكفرة باجتنابه الكبائر {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء: 31] فلا يدخل تحت الوعيد وإن أريد الكافر فأعماله الخيرية باطلة بسبب كفرياته {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: 23].
قلت: قيل: أريد بمن يعمل خيرًا المؤمن وبمن يعمل شرًا الكافر بدليل السياق في قوله أشتاتًا وقيل: بل الرؤية تكون بالعرض فيعفي عن سيئات المؤمن وتجعل حسنات الكافر هباءًا منثورًا، وقيل: يجوز أن تكون الرؤية في دار الدنيا فالمؤمن تصيبه المصيبة بذنوبه [1/ 345] حتى الشوكة يشاكها فما تبرح به المصائب حتى لا يبقي عليه ذنب والكافر بإنعام الدنيا من العافية وسعة