والعشائر، ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على الكلام، وكذا مَن عرف حقائق ما انتهى إليه هؤلاء الفضلاء الأذكياء ازداد بصيرة وعلماً ويقيناً بما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وبأن ما يعارضون به الكتاب والسنّة من كلامهم الذي يسمونه عقليات، هي من هذا الجنس الذي لا يتفق إلا بما فيه من الألفاظ المجملة المشتبهة مع مَن قلَّت معرفته بما جاء به الرسول وبطرق إثبات ذلك، ويتوهم أن بمثل هذا الكلام يثبت معرفة الله وصدق رسله، وأن الطعن في ذلكِ طعن فيما به يصير العبد مؤمناً، فيتعجَّل ردّ كثيرمما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، لظنه أنَّه بهذا الرد يصير مصدِّقاً للرسول في الباقي.
(ص 207) وهذا مما يبين أن ما جاءت به الرسل هو الحق، وأن الأدلة العقلية الصريحة توافق ما جاءت به الرسل، وأن صريح المعقول، لا يناقض صحيح المنقول، وإنما يقع التناقض بين ما يدخل في السمع وليس منه، وما يدخل في العقل وليس منه، كالذين جعلوا من السمع أن الرب لم يزل معطلاً عن الكلام والفعل، لا يتكلم بمشيئته، ولا يفعل بمشيئته، بل ولا يمكنه عندهم أنه لا يزال يتكلم بمشيئته ويفعل بمشيئته، فجعلى هؤلاء هذا قول الرسل، وليس هو قولهم، وجعل هؤلاء من المعقول أنه يمتنع دوام كونه قادراً على الكلام والفعل بمشيئته.
(ص 111) فإذا خلق في الشجرة "إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ" (?) - ولم يقم هو به كلام- كان ذلك كلاماً للشجرة، فتكون هي القائلة!! والحوادث لا تحل به تعالى من غير مشيئة ولا قدرة، بل يفعلها بمشيئته وقدرته، واتصافه بها واجب لأنها صفات كمال، والذات الموصوفة بصفاتها، القادرة على أفعالها، مستلزمة لما يلزمها من الصفات، قادرة على ما تشاؤه من الأفعال.
(ص 123) إن الطريقة المعروفة التي سلكها الأشعري وأصحابه في مسألة القرآن هم ومن وافقهم على هذا الأصل من أصحاب أحمد وغيرهم كأبي الحسن التميمي،