ودليل آخر: أن المجتهد لو اجتهد فأداه اجتهاده إلى خلاف قول من هو أعلم منه، لم يجز ترك رأيه والأخذ برأي ذلك الغير، فوجب أن لا يجوز وإن لم يجتهد، لأنه لا يأمن لو اجتهد أن يؤديه اجتهاده إلى خلاف ذلك القول.

فإن قيل: فيلزم العامي، فإنه لا يأمن لو تفقه أن يؤديه اجتهاده إلى خلاف ما أفتاه العالم، ويجوز له الأخذ بفتياه في هذه الحالة.

قلنا: العامي ليس معه آلة الاجتهاد، وإلى أن يتعلمها زمان يضيق عن وقت الحادثة، وينقطع عن صلاح دنياه وربما وصل، وربما لم يصل بخلاف العالم.

ودليل آخر: أن المجتهد متمكن من معرفة الحكم باجتهاده، فلم يجز العدول عن ذلك إلى ما هو أنقص منه، كما لا يجوز للمتمكن من العلم العدول عنه إلى الظن، وهذا صحيح، فإنه يحيط بظنه يقيناً إذا اجتهد، ولا يحيط بظن غيره يقينا.

ودليل آخر: أن المجتهد متعبد باجتهاده وعمله بحسبه، يدل على ذلك أنه بذلك يكون مطيعاً لله تعالى، ويدل عليه أن الله سبحانه ما نصب الأمارة إلا وقد أراد من المجتهد أن يجتهد فيها، وليس بعض المجتهدين أولى بذلك من بعض، فلا يجوز إثبات يدل لهذا المراد المتعبد به إلا بدلالة عقلية أو سمعية، ولا دليل ها هنا على البدل بهذا الاجتهاد من التقليد فيجب أن لا يجوز إثباته.

ودليل آخر: أنه لا خلاف أنه يجوز ترك قول الأعلم باجتهاده، ومن جاز ترك قوله باجتهاده لم يجز ترك اجتهاده لقوله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015