وأيضاً فإن الصحابة كانوا يتناظرون في الحكم، ولا يقلد بعضهم بعضاً، ولو جاز التقليد لم يكن لمناظرتهم معنى، ولقائل أن يقول: إنما يتناظرون، لأن العمل على الاجتهاد أولى من التقليد.
قلنا: الدليل الذي جعل الاجتهاد أولى من التقليد هو الذي منع من التقليد.
ودليل آخر: أن المجتهد يمكنه التوصل إلى الحكم باجتهاده لتكامل الآلة، فلم يجز له أن يقلد غيره كما نقول في العقليات (لما) تمكن منها بنفسه لا يمكن تقليده.
فإن قيل: المطلوب في العقليات العلم، والعلم لا يحصل بالتقليد، والمطلوب في مسألتنا: العمل التابع للظن، وذلك يحصل بتقليد العال.
قلنا: إلا أن المأخوذ عليه طلب الحق بظنه، ولا يحصل ذلك إلا بنظره في الأدلة الموجبة له غلبة الظن، فأما تقليد غيره فلا يحصل له ذلك، ولأن المأخوذ عليه إحاطة علمه بظنه، ولا يحصل ذلك بتقليد غيره.