رَفْعِ الْمَعْصِيَةِ اللَّازِمَةِ مِنْ ذَبْحِهِ حَيَوَانَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ بِإِعَادَتِهِ إلَى مِلْكِ الْغَيْرِ وَبِهِ الرُّوحُ، فَلَا يَكُونُ مَأْمُورًا بِذَلِكَ، وَالْمُفِيدُ لِهَذَا مَا أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ إلَّا مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ» ، وَمَا أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَارَ قَوْمًا مِنْ الْأَنْصَارِ فِي دَارِهِمْ فَذَبَحُوا لَهُ شَاةً فَصَنَعُوا لَهُ مِنْهَا طَعَامًا فَأَخَذَ مِنْ اللَّحْمِ شَيْئًا فَلَاكَهُ فَمَضَغَهُ سَاعَةً لَا يُسِيغُهُ فَقَالَ مَا شَأْنُ هَذَا اللَّحْمِ؟ . قَالُوا شَاةٌ لِفُلَانٍ ذَبَحْنَاهَا حَتَّى يَجِيءَ فَنُرْضِيَهُ مِنْ ثَمَنِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَطْعِمُوهَا الْأَسْرَى» (قَالُوا) أَيْ الذَّاهِبُونَ إلَى أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْبُطْلَانِ مُطْلَقًا: (لَمْ تَزَلْ الْعُلَمَاءُ) فِي سَائِرِ الْأَعْصَارِ (يَسْتَدِلُّونَ بِهِ) أَيْ النَّهْيِ (عَلَى الْفَسَادِ أَيْ الْبُطْلَانِ) مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ عَلَيْهِمْ فَهُوَ إجْمَاعٌ مِنْهُمْ عَلَى فَهْمِ ذَلِكَ مِنْهُ (قُلْنَا) إنَّمَا لَمْ يَزَالُوا يَسْتَدِلُّونَ بِهِ عَلَى الْبُطْلَانِ (فِي الْعِبَادَاتِ وَمَعَ الْمُقْتَضِي فِي غَيْرِهَا) أَيْ وَعَلَى الْبُطْلَانِ فِي غَيْرِ الْعِبَادَاتِ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ مَعَ الْمُقْتَضِي لِلْبُطْلَانِ (وَإِلَّا) فَحَيْثُ لَا مُقْتَضَى لِلْبُطْلَانِ فِيهَا (فَعَلَى مُجَرَّدِ التَّحْرِيمِ) أَيْ فَإِنَّمَا يَسْتَدِلُّونَ عَلَى مُجَرَّدِ تَحْرِيمِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ (وَلَوْ صَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِالْبُطْلَانِ) أَيْ بِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْبُطْلَانِ فِي الْمُعَامَلَاتِ (فَكَقَوْلِكُمْ وَبِهِ) أَيْ بِهَذَا الدَّلِيلِ (اُسْتُدِلَّ لِلُّغَةِ) أَيْ بِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْبُطْلَانِ لُغَةً (وَمُنِعَ بِأَنَّ فَهْمَهُ) أَيْ الْبُطْلَانِ مِنْهُ (شَرْعًا) لِأَنَّ فَسَادَ الشَّيْءِ أَيْ بُطْلَانَهُ عِبَارَةٌ عَنْ سَلْبِ أَحْكَامِهِ وَلَيْسَ فِي لَفْظِ النَّهْيِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لُغَةً قَطْعًا.

(قَالُوا) أَيْ الذَّاهِبُونَ إلَى أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْفَسَادِ أَيْ الْبُطْلَانِ لُغَةً: (الْأَمْرُ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ فَضِدُّهُ) وَهُوَ النَّهْيُ يَقْتَضِي (ضِدَّهَا) وَهُوَ الْفَسَادُ أَيْ الْبُطْلَانُ (أُجِيبَ بِمَنْعِ اقْتِضَائِهِ) أَيْ الْأَمْرِ الصِّحَّةَ (لُغَةً وَلَوْ سُلِّمَ) أَنَّ الْأَمْرَ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ (فَيَجُوزُ اتِّحَادُ أَحْكَامِ الْمُتَقَابِلَاتِ) لِجَوَازِ اشْتِرَاكِهَا فِي لَازِمٍ وَاحِدٍ (وَلَوْ سُلِّمَ) أَنَّ أَحْكَامَ الْمُتَقَابِلَةِ مُتَقَابِلَةٌ (فَاللَّازِمُ عَدَمُ اقْتِضَاءِ الصِّحَّةِ لَا اقْتِضَاءُ عَدَمِهَا) وَالْأَوَّلُ أَعَمُّ، وَالْأَعَمُّ لَا يَسْتَلْزِمُ الْأَخَصَّ (وَدَلِيلُ تَفْصِيلِهِمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (فِيمَا) يَكُونُ النَّهْيُ عَنْهُ لِقُبْحٍ (لِعَيْنِهِ وَغَيْرِهِ أَمَّا فِي الْحِسِّيِّ فَالْأَصْلُ) أَيْ فَلِأَنَّ كَوْنَهُ قَبِيحًا لِعَيْنِهِ هُوَ الْأَصْلُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يَثْبُتَ الْقُبْحُ بِاقْتِضَاءِ النَّهْيِ فِي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لَا فِي غَيْرِهِ فَلَا يُتْرَكُ الْأَصْلُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَلَا ضَرُورَةَ هُنَا لِإِمْكَانِ تَحَقُّقِ الْحِسِّيَّاتِ مَعَ صِفَةِ الْقُبْحِ لِأَنَّهَا تُوجَدُ حِسًّا، فَلَا يَمْتَنِعُ وُجُودُهَا بِسَبَبِ الْقُبْحِ إلَّا إذَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى خِلَافِهِ كَالنَّهْيِ عَنْ الْوَطْءِ فِي الْحَيْضِ كَمَا تَقَدَّمَ.

(وَأَمَّا فِي الشَّرْعِيِّ فَلَوْ) كَانَ النَّهْيُ عَنْهُ (لِعَيْنِهِ) لِقُبْحِهَا (امْتَنَعَ الْمُسَمَّى شَرْعًا) لِامْتِنَاعِ وُجُودِ الْقَبِيحِ شَرْعًا (فَحَرُمَ نَفْسُ الصَّوْمِ وَالْبَيْعِ لَكِنَّهُمَا ثَابِتَانِ فَكَانَ) الشَّرْعِيُّ (مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ لَا وَصْفِهِ بِالضَّرُورَةِ، وَقِيلَ لَوْ كَانَ) الْقُبْحُ فِي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ الشَّرْعِيِّ لِعَيْنِهِ (امْتَنَعَ النَّهْيُ لِامْتِنَاعِ الْمَنْهِيِّ) حِينَئِذٍ لَكِنَّ النَّهْيَ وَاقِعٌ فَكَذَا الْمَنْهِيُّ (وَدُفِعَ بِأَنَّ امْتِنَاعَهُ) أَيْ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ (لَا يَمْنَعُ تَصَوُّرَهُ) أَيْ وُجُودِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ (حِسًّا وَهُوَ) أَيْ تَصَوُّرُهُ حِسًّا (مُصَحِّحٌ النَّهْيَ، وَهُوَ) أَيْ هَذَا الدَّفْعُ (بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الِاسْمَ لِلصُّورَةِ) فَقَطْ (وَهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ (يَمْنَعُونَهُ) أَيْ كَوْنَهُ لِلصُّورَةِ فَقَطْ (بَلْ) هُوَ عِنْدَهُمْ لَهَا (بِقَيْدِ الِاعْتِبَارِ) وَهُوَ مُنْتَفِي التَّحَقُّقِ.

(قَالُوا) أَيْ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الِاسْمَ الشَّرْعِيَّ لِلصُّورَةِ فَقَطْ: (النَّهْيُ) النَّفْسِيُّ (عَنْ صَلَاةِ الْحَائِضِ) وَهُوَ مَا فِي حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ» (وَ) النَّهْيُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015