عَنْ (صَوْمِ الْعِيدِ) وَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ قَرِيبًا (وَلُزُومُ كَوْنِ مِثْلِ الطَّهَارَةِ) مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ (جُزْءَ مَفْهُومِ الْمَشْرُوطِ) الَّذِي هُوَ الصَّلَاةُ لِأَنَّ الصَّلَاةَ الْمُعْتَبَرَةَ هِيَ الْمَفْعُولَةُ بِشُرُوطِهَا وَهُوَ بَاطِلٌ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهَا شُرُوطٌ لَا أَرْكَانٌ (وَ) لُزُومُ (بُطْلَانِ صَلَاةٍ فَاسِدَةٍ) لِلْمُنَافَاةِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ وَصْفِهَا بِالْفَسَادِ (يُوجِبُهُ) أَيْ كَوْنَ الِاسْمِ بِإِزَاءِ الْهَيْئَةِ فَقَطْ لِأَنَّ الْمُتَصَوَّرَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الصُّورَةُ فَقَطْ.
(الْجَوَابُ) الْمَنْعُ بَلْ (إنَّمَا تُوجِبُ) النَّهْيَ عَنْ صَلَاةِ الْحَائِضِ وَصَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ وَقَوْلِهِمْ " صَلَاةٍ فَاسِدَةٍ " (صِحَّةُ التَّرْكِيبِ وَلَا يَسْتَلْزِمُ) صِحَّةُ التَّرْكِيبِ (الْحَقِيقَةَ) أَيْ كَوْنَ الِاسْمِ حَقِيقَةً فِي الصُّورَةِ فَقَطْ (فَالِاسْمُ مَجَازٌ شَرْعِيٌّ فِي الْجُزْءِ) الَّذِي هُوَ الصُّورَةُ (لِلْقَطْعِ بِصِدْقِ لَمْ يَصُمْ لِلْمُمْسِكِ حِمْيَةً) مَعَ وُجُودِ الصُّورَةِ وَلَوْ كَانَ الِاسْمُ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً لِلصُّورَةِ فَقَطْ لَمْ يَصْدُقْ (وَالْوَضْعُ لَمَّا وُجِدَ شَرْطُهُ لَا يَسْتَلْزِمُ اعْتِبَارَ الشَّرْطِ جُزْءًا) مِنْهُ فَانْتَفَى لُزُومُ كَوْنِ الشَّرْطِ جُزْءَ مَفْهُومِ الْمَشْرُوطِ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ آلَ كَلَامُهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ (إلَى أَنَّ مُصَحِّحَ النَّهْيِ جُزْءُ الْمَفْهُومِ، وَهُوَ مُجَرَّدُ الْهَيْئَةِ، فَسَلَّمُوا قَوْلَ الْخَصْمِ) فِي الْمَعْنَى لِمُوَافَقَتِهِمْ لَهُ عَلَى أَنَّ مُصَحِّحَ النَّهْيِ الْوُجُودُ الْحِسِّيُّ لِلْمَنْهِيِّ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الِاسْمَ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ لِلصُّورَةِ فَقَطْ أَوْ بِقَيْدِ الِاعْتِبَارِ.
(غَيْرَ أَنَّ ضَعْفَ الدَّلِيلِ) الْمُعَيِّنِ (لَا يُبْطِلُ الْمَدْلُولَ) لِجَوَازِ ثُبُوتِهِ بِغَيْرِهِ (وَيَكْفِيهِمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةَ (مَا ذَكَرْنَاهُ لَهُمْ) مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِعَيْنِهِ لَامْتَنَعَ الْمُسَمَّى لِامْتِنَاعِ كَوْنِهِ قَبِيحًا لِعَيْنِهِ حَالَ كَوْنِهِ مُتَّصِفًا بِكَوْنِهِ مَشْرُوعًا لِلشَّارِعِ.
(تَنْبِيهٌ لَمَّا قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ بِحُسْنِ بَعْضِ الْأَفْعَالِ وَقُبْحِهَا لِنَفْسِهَا وَغَيْرِهَا كَانَ تَعَلُّقُ النَّهْيِ الشَّرْعِيِّ بِاعْتِبَارِ الْقُبْحِ مَسْبُوقًا بِهِ) أَيْ بِالْقُبْحِ (ضَرُورَةَ حِكْمَةِ النَّاهِي) لِأَنَّ الْحَكِيمَ لَا يَنْهَى عَنْ شَيْءٍ إلَّا لِقُبْحِهِ، قَالَ تَعَالَى {وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [النحل: 90] (لَا) أَنَّهُ يَكُونُ (مَدْلُولَ الصِّيغَةِ فَانْقَسَمَ مُتَعَلِّقُهُ) أَيْ النَّهْيِ (إلَى حِسِّيٍّ فَقُبْحُهُ لِنَفْسِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ وَلَا جِهَةَ مُحَسَّنَةٌ فَلَا تَقْبَلُ حُرْمَتُهُ النَّسْخَ وَلَا يَكُونُ سَبَبَ نِعْمَةٍ كَالْعَبَثِ) أَيْ اللَّعِبِ لِخُلُوِّهِ عَنْ الْفَائِدَةِ الشَّرْعِيَّةِ (وَالْكُفْرِ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْكُفْرَانِ بِالْمُنْعِمِ بِجَلَائِلِ النِّعَمِ وَدَقَائِقِهَا، وَقُبْحُ مَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَكُفْرَانِ الْمُنْعِمِ مَرْكُوزٌ فِي الْعُقُولِ بِحَيْثُ لَا يُتَصَوَّرُ جَرَيَانُ النَّسْخِ فِيهِ، وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِمْ: إنَّهُ قَبِيحٌ لِعَيْنِهِ أَنَّ عَيْنَ الْفِعْلِ الَّذِي أُضِيفَ إلَيْهِ النَّهْيُ قَبِيحٌ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِمَعْنًى زَائِدٍ عَلَى ذَاتِهِ (بِخِلَافِ الْكَذِبِ الْمُتَعَيَّنِ طَرِيقًا لِعِصْمَةِ نَبِيٍّ) فَإِنَّ فِيهِ جِهَةً مُحَسَّنَةً (أَوْ) قُبْحَهُ (لِجِهَةٍ لَمْ يَرْجُحْ عَلَيْهَا غَيْرُهَا فَكَذَلِكَ) أَيْ لَا تَقْبَلُ حُرْمَتُهُ النَّسْخَ وَلَا يَكُونُ سَبَبَ نِعْمَةٍ.
(وَيُقَالُ فِيهِ قُبْحٌ لِعَيْنِهِ شَرْعًا كَالزِّنَا لِلتَّضْيِيعِ) أَيْ فَإِنَّهُ فِعْلٌ حِسِّيٌّ مَنْهِيٌّ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا} [الإسراء: 32]- قَبِيحٌ لِجِهَةٍ فِيهِ لَمْ يَرْجُحْ عَلَيْهَا غَيْرُهَا وَهِيَ تَضْيِيعُ النَّسْلِ، لِأَنَّ الشَّرْعَ قَصَرَ ابْتِغَاءَ النَّسْلِ بِالْوَطْءِ عَلَى مَحَلٍّ مَمْلُوكٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6] (فَلَمْ يُبِحْهُ) اللَّهُ تَعَالَى (فِي مِلَّةٍ) مِنْ الْمِلَلِ.
فَإِنْ قِيلَ: ثُبُوتُ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ نِعْمَةٌ لِأَنَّهَا تُلْحِقُ الْأَجْنَبِيَّاتِ بِالْأُمَّهَاتِ وَالْأَجَانِبَ بِالْآبَاءِ وَقَدْ ثَبَتَتْ مُسَبَّبَةً عَنْ الزِّنَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ يُفِيدُ جَعْلَ الزِّنَا مَشْرُوعًا بَعْدَ النَّهْيِ.
فَالْجَوَابُ مَنْعُ ثُبُوتِهَا مُسَبَّبَةً عَنْ الزِّنَا مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ سَبَبٌ لِلْمَاءِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْبَعْضِيَّةِ الْحَاصِلَةِ بِالْوَلَدِ الَّذِي هُوَ مُسْتَحَقٌّ لِلْكَرَامَاتِ، وَمِنْهَا حُرْمَةُ الْمَحَارِمِ إقَامَةً لِلسَّبَبِ الظَّاهِرِ الْمُفْضِي إلَى الْمُسَبِّبِ الْخَفِيِّ مَقَامَهُ كَمَا فِي الْوَطْءِ الْحَلَالِ لِأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَى حَقِيقَةِ الْعُلُوقِ مُتَعَذَّرٌ، وَالْوَلَدَ عَيْنٌ لَا مَعْصِيَةَ فِيهِ ثُمَّ يَتَعَدَّى