وقد يكون الخصم يسامح خصمه في ان يريه الاقرار بفساد قوله ثم يقول له: فدع قولي وهات قولك وبين وجه الصواب. وهذا الفعل خطأ من وجهين: احدهما ان يكون صادقا في اقراره ببطلان قوله ورجوعه عنه وطلبه معرفة الحق فهذا فضل عظيم وفاعله محمودا جدا. والثاني ان يكون قد علم ان خصمه يأتي بمثل ذلك فيريد ان يلزمه مثل ما ألزمه هو ليكف من نفسه شغبه وهذا انصاف. ومثال ذلك ان يقول احد الخصمين: الجدال مكروه فيقول الآخر: فإذا هو مكروه فبأي شيء يوصل عندك إلى معرفة الحق مما اختلف فيه من هو عندك رضا من اهل ملتك؟ هات [ما] عندك ودع الجدال الآن جانبا. وهذا برجع إلى ما قلناه قبل من وجوه اقسام تبطل كلها الا واحدا فيصح ذلك الواحد فان الخصم حينئذ لا بد له من ان يذكر التقليد أو الايهام أو ترك طلب الحق. وكل هذه الوجوه باطل فاسد فإذا بطلت صح الجدال. فهذا الذي قلنا حصر للخصم إلى هذا الوجه من وجوه البرهان فيراجع الحق أو ينقطع اما بسكوت أو بهتان يأتي به.
وقد ذكرنا في باب اقسام المعارف ما يعارض به الخصم الجاهل من اشياء يعدها الجهال (?) حجة وليس حجة أصلاً فواجب ان يكف ضرر جهلهم بها على كل حال.
واعلم ان من الخطأ معارضة الخطأ بالخطأ في المناظرة مثل ان يقول السائل للمسئول. انت تقول كذا لأولم تقول كذا فيقول المجيب: وانت تقول أيضاً كذا أو لأنك انت أيضا تقول كذا، فيأتيه بمثل ما أنكر هو عليه أو أشنع، فهذا كله خطأ فاحش وعار عظيم واقتداء بالخطأ اللهم الا في [86 و] مكانين: احدهما ان يكون القول الذي اعترض به المجيب قولا صحيحا ينتج ما يقول هو فهذا وجه فاضل وقطع للسائل. وذلك كمعتزلي قال الآخر: لم قلت ان الله تعالى خالق الشر؟ فقال لأنك تقول معي ان تعالى خلق جميع العالم من جواهره وأعراضه، والشر عرض، فالله تعالى خالق الشر. فهذه معارضة صحيحة الا ان ظاهر لفظها غير محكم لأنه في الظاهر إنما جعل علة قوله ما يقول قول خصمه بما يقول، فلزمه انه لولا قول خصمه بذلك لم يقل هو بما قال. وهذا خطأ وإنما الصواب ان يقول: