علينا عدلا فينا. وقد قال لنا الخيرة المرسل من قبل الواحد الأول، صلى الله عليه وسلم: " إنما الاعمال بالنيات ولكل امريء ما نوى ".

والشيء الثاني ان يقول الناقد. قلتم لا شيء الا حق أو باطل، فالحق برهاني: اما اول واما منتج عن اول واما بقرب واما ببعد، وما عدا هذين الطريقين فباطل. وانتم بخبر الواحد في الاحكام وبشهادة الشاهدين، وتقرون ان حكمكم ذلك لعله باطل. فالجواب وبالله تعالى التوفيق: ان الحكم بخبر الواحد في الاحكام وبشهادة الشاهدين حق برهاني ضروري نقطع على غيبه؛ واما الجزئيات من ذلك، يعني من الشهادة، فلا ندري أموافقة هي التي تيقنا انه حق أولا وهذا من تقصيرنا عن علم الغيب. الا اننا محققون بلا شك كل قضية منها فاما حق واما باطل في ذاتها لا بد من ذلك، ولم ندع على كل حق وعلى باطل، بل كثير من الامور يخفى علينا الحكم فيها وهي في ذواتها اما حق واما باطل.

ومن بديع ما غلط فيه اخواننا الموافقون لنا في الخلة والملة المخالفون لنا في الفتى ان حكمين وردا في الشعير والتمر فنقلوا احدهما إلى الزيتون والتين، ومنعوا من نقل الآخر إلى الزيتون والتين: وهو ان التحريم جاء في الشعير بالشعير والتمر بالتمر في البيع الا مثلا بمثل كيلا بكيلا يدا بيد، وأمرنا باخراج الشعير أو التمر في زكاة الفطر. فقالوا قول من تحكم: اما التحريم في البيع الا مثلا بمثل ويد بيد فمنقول إلى الزيتون والتين، اما الاعطاء في الزكاة فغير منقول إلى الزيتون والتين. ولهم من مثل هذا واشنع آلاف قضايا مما نبينه في كتبنا في احكام الديانة، ان شاء الله. والتحكم باللسان لا يعجز عنه من رضيه لنفسه [78و] والباطل كثير. واما الذي نحمد الواهب المنعم عز وجل عليه اهله، فالحق، والذي يجب ان يفرح له الحاصل فما اوجبه البرهان.

واعلم أنه لا فرق فيما تصح به الأحكام الشرعية وبين ما تصح به القضايا الطبيعية في مراتب البرهان الذي قدمنا؛ بل الخطأ في الشرائع أضر وأشد فسادا في الدنيا، وأرادأ عاقبة في الأخرى، وأحق بالنظر فيه والاحتيال بتصحيحه، وأولى بترك المسامحة وأحظى بتحري الصواب، وأن لا يقدم فيها الا على ما أوجبته مقدمات موجودة عن مثلها إلى أن تبلغ أوائل العقل والحس، وبالله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015