وبماذا علمتم صحة العقل وهذا فساد في العقل وقد قلنا ان صحة ذلك ثابتة ضرورة في النفس بلا دليل على صحة ذلك أصلاً. وكفانا ما عارضناهم به ان انصفوا انفسهم والا فلا كلام لنا مع من أقر انه لا يصح وأنه لا عقل له.
13 - ذكر أشياء تلتبس على قوم في طريق البرهان
واعلم ان قوما قدروا ان البرهان يقوم مما ذكرنا في باب الاضافة من كون احد الشيئين يقتضي الآخر فلم يفرقوا بين الواجب من ذلك وغيره، ونحن نفرق ان شاء الله عز وجل بين الصحيح من ذلك والفاسد فنقول وبالله تعالى التوفيق وبه نتأيد: ان هذا الشيء يسميه المتقدمون " برهان الدور " مثال ذلك: ان يقول القائل: الدليل على ان كون القصد في الامور موجود ان الافراط موجود. فيقال له: وما الدليل على ان الافراط موجود؟ فيقول: لما كان القصد موجودا وجب ان الافراط موجود فقام من هذا الكلام: لما كان الافراط موجودا كان الافراط موجودا، وهذا باطل فاسد في الرتبة وهو ان يستشهد على الشيء بنفسه وإنما الصواب [73 و] ان يستشهد على مجهول بمتيقن فإذا كان الشيء مجهولا فليس متيقنا عند الذي هو عنده مجهول وأنت تروم ان يبين ها هنا بنفسه التي هي ذلك المجهول بعينه. واذا كان الشيء متيقنا فالمتيقن لا يحتاج فيه إلى برهان فهذا استدلال فاسد كما ترى. وكل شيء فأما معلوم واما مجهول فالمعلوم يصحح غيره من المجهولات والمجهول يصحح بغيره من المعلومات، وكون كل واحد من المضافين مقتضيا وجود صاحبه امر معلوم بأول العقل فطلب الاستدلال عليه خطأ. واما الخطأ في بيان المجهول فكنحو إنسان قال له إنسان: ما صفة الفيل؟ فيقول له: صفة الخنزير، والسائل لا يعرف صفة الخنزير فيقول له: وما صفة الخنزير؟ فيقول له: صفة الفيل. فهذا فساد شديد وهو راجع إلى ان صفة الفيل صفة الفيل. ويدخل في هذا الحبال من رام ان يثبت القياس بالقياس أو الخبر بالخبر وما اشبه ذلك.
وأما كون الشيء مستدلا به على بطلانه فلا يجوز ذلك أيضاً الا من وجه واحد، وهو ان يكون مؤديا إلى فساد أو تناقض ابطله حينئذ فليس