هذه اللفظة اتيان كل ما يسمى إحسانا، ودفع كل ما يسمى إساءة، لأن الإساءة ضد الإحسان، والاحسان واجب فالإساءة ممنوعة، لان قولك احسن إلى فلان يقوم مقام قولك لا تسئ إليه، وذلك معنى مقتضاه فقط. واما قولك لا تسئ إليه فليس فيه الإحسان إليه، وكذلك إذا قلت لا تحسن إليه فليس فيه ان تسيء إليه أصلا، لان هذا من الاضداد التي بينهما وسائط، والوسيطة ها هنا هي التي بين الاساءة والاحسان: المتاركة. واما إذا قلت أسئ إلى فلان ففيه رفع الاحسان عنه لان الضد يدفع الضد، إذا وقع احدهما بطل الآخر. فتدبر هذه المعاني تستضئ في جميع مطلوباتك بالنور الذي منحك خالقك تعالى وقرب به شبهك من الملائكة وأبانك عن البهائم، والا كنت كخابط عشواء حيران لا تدري ما تقدم عليه بالحقيقة ولا تترك باليقين لكن بالحس والهجمة اللذين لعلهما يوردانك المتألف ويقذفانك في المهالك، هدانا الله واياك بمنه.

واذا وصلت إلى هذا الفصل فقف عنده وارم تفكرك إلى ما تكلمنا لك فيه آنفا من المتلائمات التي عبرنا عنها بعبارات لعل [بعض] أهل الغفلة الذين يرغب من صلاحهم أكثر ما يرغبون من صلاح أنفسهم يقول عند نظرة فيها: لقد تعنى هذا المؤلف في شيء يساويه في المعرفة به كل أحد، فليعلم اننا إنما ننظر المعاني بألفاظ متفق عليها لتكون قاضية على ما يغمض فهمه مما ليس من نوعها، فها هنا يلوح لك فضل كلامنا آنفا في المتلائمات وترتاح لفهمه جدا.

واذا قد قدمنا في أول كتابنا انه لا سبيل إلى معرفة حقائق الاشياء الا بتوسط اللفظ فلا سبيل إلى نقل موجب العقل من موضعه من كون الاشياء على مراتبها التي رتبها عليها بارئها جل وعز، ولا سبيل إلى نقل مقتضى اللفظ عن موضعه الذي رتب لعبارة عنه، والا رطبت الباطل وتركت الحق وجميع الدلائل تبطل نقل اللفظ عن موضعه في اللغة ولا دليل يصححه أصلا.

فان قال قائل: قد وجدنا لفظا منقولا قيل له: ذلك الذي وجدت قد تبين لنا انه هو موضوعه في ذلك المكان ولم نجد ذلك فيما نريد الحاقه به بلا دليل، وليس كل مسمى وجدته منقولا عن رتبته بدليل موجبا ان تنقله انت إلى غيره برأيك بلا دليل، فان كان حكمك في ايجاب ما لم تجد دليلا ينقله لأنك قد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015