بعض تلك الأنواع لا كلها، وبعض تلك الأشخاص لا كلها، فيؤخذ به في ذلك المكان خاصة لا حيث وجد ذلك اللفظ في مكان آخر فهو محمول على عمومه لكل ما تحته أبدا لأن ذلك البرهان الذي نقله عن عمومه في المكان الأول لم يدخل على انه نقل عن موضعه في اللغة قطعا، لكنه دل على أن المراد به في هذا المكان خاصة بعض ما يقتضيه موضعه في اللغة فقط.

وأما قول القائل: فلان لا يظلم في حبة خردل، فلا يفهم من ذلك عند التحقيق وترك المسامحة الا ما اقتضاه اللفظ خاصة من انه لا يظلم في الخردل خاصة، وهذا الذي وضع له اللفظ في اللغة، ولا يفهم من ذلك انه لا يظلم في الآطام والضياع والدور، لأن الضياع والدور لا تسمى خردلا أصلا. لكن ان قال قائل: لا يظلم الناس شيئا أو قال لا يظلم في شيء فحينئذ يعم بالنفي كل ما وقع عليه اسم ظلم. فان لم يكن هذا فلأن معنى علقته في الأسماء على المسميات وثبت في العقول أنه لا بيان إلا بالألفاظ المعبر عن المعاني التي أوقعت عليها في اللغة، هذا ما لا يعلم أحد سواه الا مغالط لنفسه مكابر لحسه، مسامح حيث لا تنبغي المسامحة.

وكذلك قوله تعالى: {فلا تقل لهما أف} (23 الاسراء: 17) فانه لا يفهم من الفظ الا منع أف فقط، وأما القتل والضرب وغير ذلك فلا منع منه في هذا اللفظ أصلا، لأن كل ذلك لا يسمى " أف " ولا يعبر عنه بأف، ولو أن إنسانا قتل لآخر وأخبر عنه مخبر وشهد شاهد أنه قال له أف لكان كاذبا وشاهد زور وآتيا كبيرة من الكبائر، بحكم المختار للوسائط بيننا وبين الواحد الأول، صلى الله عليه وسلم، عز باعثه وجل، إذ قضى أن شهادة الزور من الكبائر فمن لم يردعه قبح الخروج عن العقول فليردعه خوف النكال الشديد يوم الجزاء، نعوذ بالله من ذلك. واو أن حالفا حلف على القاتل أنه قال للمقتول " أف " لكانت يمينه غموسا فكيف استجاز من يصف نفسه بالفهم ان يقضي قضاء يقر به على نفسه انه كاذب إذا حقق الحكم؟ ولعمري ان كثيرا منهم لأفاضل فهماء صالحون معظمون باستحقاقهم، ولكن النقص لم يعر منه بشر الا المعصومين بالقوى الالهية من الأنبياء عليهم السلام [69 ظ] خاصة، وزلة العالم مؤذية جدا ولو لم تعده إلى غيره لقل ضررها، لكن لما قال الله عز وجل {وبالو الدين احسانا} اقتضت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015