ولما كان يَحْسُن أن يُعْتَبَر فلم يُعْتَبَرْ، وحَسْبُك بهذا التنبيه من فضلٍ يَدِينُ به اللَّاحقُ للسَّابق، وإذا كانت ممارسةُ القديمِ والجديدِ قد صَرَفت أبصارنا تِلقاءَ تصوُّرٍ مُبَايِنٍ بَيْنُونةً مفارِقةً لكل ما تقدَّم فإنّ ذلك ليس بناقضٍ جُهْدًا سَبَق، ولا غائضٍ من ثناءٍ عليه مُسْتَحَقّ، ولكنّ الشيء إنما ينماز بِحَمْلِه على ضِدِّه ونقيضِه، كما ينماز بِحَمْلِهِ على نظيره ورَسِيْلِهِ.
ولقد كان مما استيقظ أنظارَنا في مصَنَّفات المعاصرين أمور:
- أَوَّلها: التكرار حيثُ لا يُفيد التكرار، والاختصارُ حيثُ لا يَحْسُنُ الاختصار.
- والثاني: القصورُ عن استقصاء أوجه الإعراب الواردة على الموضع الواحد، والاجتزاءُ ببعضها دون بعض، على غير سَنَنٍ واضح، ولغيرِ عِلّةٍ مُوْجِبَة.
- والثالث: أَخْذُها بالمرجوح دون الرَّاجح في كثير من الأحيان.
- والرابع: قعودُها عن رَصْدِ مسائل الخلاف على ما فيها من جليل الفوائد.
- والخامس: إسقاطها توثيقَ الأعاريب، ورَدَّ الخلاف إلى مواضعه من كُتُب المتقدِّمين، وَصْلًا للآن بالزمان.
- والسادس: تجاوُز الأَخْذِ بالمرجوحِ إلى الوقوع في صريح الخطأ، وشواهد ذلك مبثوثةٌ في غيرِ موضع، وفي غيرِ كتاب.
- وآخرها: جَمْعُ بعضِها بين مسائل البلاغة ومسائل النحو، وكانا حقيقَيْن بامتيازٍ يُقيم الموازين القِسْط لكلٍّ منهما؛ ذلك أنّ مَن طَلَبَ ما يفوتُ الذَّرعَ أُعْقِبَ الحِرْمان، وفاتته فضيلةُ الاستقصاء على جهة الاستيعاب الممكن، فتضيعُ الأصول في تعقُّب الفصول، وهكذا يؤولُ الأمرُ كُلُّه إلى عناءٍ ولا غَناء، وحَوْمٍ ولا ورود، ولُحْمَةٍ ولا سَدى.
ولعلنا بمفهوم المخالفة كما يُقَرِّره علماء الأصول أن نستبين الموائز التي نزعُمُها لهذا العمل، وأهمها: