أحدهما: أنها نهي مستأنف لا علاقة له بما يسبقه. والنهي في الحقيقة هو للنمل عن التأخر في دخول مساكنهم. وإن كان بحسب الظاهر نهيًا لسليمان عليه السلام عن الحَطْم، والمعنى: أيها النمل لا تكونوا بحيث يحطمونكم، أو لا أَرَينَّك هنا. قال الهمداني "وهو أولى".
الثاني: أن النهي بدل من جملة الأمر "ادْخُلُوا ... "، فهو كقول القائل: ارحل لا تقيمنَّ عندنا.
ثانيًا: "لَا يَحْطِمَنَّكُمْ ... " جواب للأمر في "ادْخُلُوا". وعلى هذا الوجه تكون "لَا" نافية وليست ناهية، وفيه استشكال، وهو اتصال الفعل المنفي بنون التوكيد فيما هو شبيه بجواب الشرط.
قال ابن الأنباري: "ولا يجوز أن يكون تقديره: "إن دخلتم مساكنكم لم يحطمنكم" على ما ذهب إليه بعض الكوفيين، لأن نون التوكيد لا تدخل في الجزاء إلا في ضرورة الشعر".
وقد ذهب الزمخشري إلى القول بتجويز وجهين، هما: أن يكون نهيًا هو بدل من الأمر، لأنه بمعنى: لا تكونوا بحيث أنتم فيحطمنكم على طريقة (لا أرينك هنا)، أو أن يكون هو نفسه جواب الأمر. واعترضه أبو حيان فقال: إن "تخريجه على جواب الأمر لا يجوز إلا إن كان في شعر، وذلك لوجود (النون). وهو مسبوق في هذا الاعتراض بالعكبري.
كذلك القول في تخريجه على البدل من الأمر لا يجوز؛ لأن مدلول "لَا يحَطِمَنَّكُم" مخالف لمدلول "ادْخُلُوا"". ورأى في ما ذهب إليه الزمخشري في تفسير البدلية من أنه بمعنى كذا .. أنه تفسير معنى الإعراب، والبدل من صفة الألفاظ.
وقد تعقب الشهاب -ومن قبله السمين- اعتراض أبي حيان على وجه البدلية فقال: إنه استئناف بالنهي عن التوقف بطريق الكناية، ولولا هذا لم يصلح للبدل من الأمر؛ "لأن البدل الاشتمالي إنما يصح إذا لوحظ هذا، فاعتراض أبي حيان غفلة عما أراده .. وما قيل في جواب أنه كيف تصح البدلية ومدلولهما متخالفان يقتضي أنه بدل كل من كل، بناء على أن الأمر بالشيء هو عين النهي عن ضده، وعلى ما ذكرناه لا حاجة إلى هذا".