ولما أقرّ الكهنة بعجزهم عن تأويل رؤيا الملك، تذكّر ذلك الرجل يوسف، وتذكّر علمه بتأويل الرؤيا، ذلك العلم الذي علمه إياه ربّه ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي، وهذا معناه أنه لن يعجز عن تأويل رؤيا الملك، وأنّ علمه الرباني سيقدر علي إزالة تداخلها، والقضاء علي اختلاطها، وفرزها وتفكيكها، وإدراك حقيقتها الفعلية، وردّها إلي نهايتها العملية، وتحديد بعدها المادي الحسي! لهذا خاطب قومه قائلا: أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ.
وذهب إلي يوسف في سجنه، وقصّ عليه رؤيا الملك، وقدر يوسف علي إدراك حقيقة الرؤيا، وأزال ما فيها من ضغث وتداخل وتشابك واختلاط. وتمكّن من فرزها وتفكيكها.
عند ذلك تمكّن يوسف من ردّ هذه المناظر إلي حقيقتها المادية، وتحديد نهايتها الفعلية: إنها سبع سنوات غيث ورخاء وزرع وإنتاج، تعقبها سبع سنوات من القحط والمحل وانحباس الأمطار وهلاك الزروع. وبعد ذلك تأتي سنة خصب وغيث، وهي السنة الخامسة عشر من هذا الزمن!.
يوسف عالم بتأويل الأحاديث:
بعد ما عرفنا تأويل يوسف للرؤي الثلاثة: رؤياه، ورؤيا السجينين، ورؤيا الملك، نقف علي الحكمة من تكرار تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ ثلاث مرات في سورة يوسف.
قال له أبوه يعقوب عن رؤياه: وكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ، ويُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ، ويُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ (?).
وبعد ما استقر يوسف في بيت العزيز في مصر، قال الله: