إلي أحداث عملية فعلية ستحدث له ولقومه في المستقبل، فما هي هذه الأحداث؟، ومن سيقدر علي بيان انطباق المناظر المنامية التي رآها الملك علي الواقع؟ ومن سيقدر علي ردّ هذه المناظر إلي صورتها المادية الفعلية النهائية؟.
وهذا هو معنى التأويل، الذي يتحقق في ردّ الأمور النظرية إلي نهاياتها الواقعية، وتحديد مآلها ومصيرها الفعلي.
عجز رجال الملك وكهنته وسحرته عن تأويل رؤياه. وقالوا له:
أضغاث أحلام. وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين.
والأضغاث: جمع «ضغث». وهي الأمور المختلطة المتشابكة المتداخلة.
ومعنى قولهم للملك: أضغاث أحلام: أنّ ما رأيته من تلك المناظر المنامية، إنما هي صور مختلطة، ولقطات متداخلة، وهي متشابكة في خيوطها وخطوطها وألوانها، بحيث يستحيل تحليلها وفصلها و «فرزها» وتفريغها، وتحديد كلّ صورة منها وتمييزها عن أخواتها.
ونظرا لما بين هذه الأحلام من تشابك واختلاط، فنحن لا نقدر علي فصلها، ولا علم لنا بتأويلها.
ومعنى قولهم: وما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ: أننا عاجزون عن بيان حقيقة هذه الأحلام، وعن تحديد مدلولها العملي، وعن ردّ مدلولها النظري إلي نهايته العملية، ومآله الواقعي.
إننا عالمون بتعبير الأحلام، ونقدر علي تحديد بعدها الفعلي، عند ما تكون أحلاما بسيطة، صورها ومناظرها منفصلة. أما عند ما تكون أضغاث أحلام متداخلة مختلطة متشابكة، فعلمنا عاجز عن تفريقها وفرزها وتفكيكها!!