يوسف تأويلها. وقدّر الله أن ينجو أحدهما، وأن يعود إلي حاشية الملك.
وقدّر الله أن يعجز رجال الملك عن تعبير وتأويل رؤياه، وعلم يوسف تعبيرها، وقذف الله في قلب الملك الإعجاب بيوسف، ومكّن له عند الملك، وسلمه الملك خزائن الأرض بقدر الله، وحكم يوسف مصر السنوات الخصبة والسنوات العجاف! وقدّر الله أن يأتي إخوته إليه- وهم لا يعلمون أنه يوسف- طالبين منه الطعام، وكاد الله ليوسف، ورتب مع إخوته ترتيبات خاصة، أدّت بهم إلي معرفته في النهاية، وأنّ عزيز مصر الذي يقفون أمامه الآن بذلة ومسكنة، هو أخوهم الصغير الذي وضعوه في البئر قبل عشرات السنين!!.
رتّب الله هذه الأحداث، وساق هذه الحوادث، بحكمته وقدره سبحانه، وأدّت في النهاية إلي تأويل رؤيا يوسف، التي رآها قبل عشرات السنين.
وجاء الله بإخوته وأبويه من بدو فلسطين إلي مقره في عاصمة مصر، ودخلوا عليه.
سجد ليوسف إخوته الأحد عشر، وسجد له أبوه وأمه.
وبذلك تمّ تأويل رؤيا يوسف: فالأحد عشر كوكبا الذين سجدوا له في المنام هم إخوته الأحد عشر، والشمس والقمر اللذان سجدا له في المنام هما أبوه وأمّه.
لقد كان سجود أبويه وإخوته له، بعد عشرات السنين من رؤياه تأويلا لتلك الرؤيا.
أي: كان تحقيقا عمليا للوعد الذي ساقه الله عن طريق تلك الرؤيا، وكان السجود الفعلي الواقعي بيانا لنهاية ومرجع ومآل تلك الرؤيا، وإظهارا لصورتها الفعلية الواقعية التي انتهت إليها، واستقرت عليها.
أليس هذا هو معنى التأويل الذي ذكرناه؟ ألم ينطبق علي هذا قول الراغب الأصفهاني في تعريفه للتأويل: «هو ردّ الشيء إلي غايته المرادة