وهذه إشارة من عمر إلي فطنة ابن عباس وذكائه وعلمه ومعرفته.
وفي رواية ثانية أنّ بعض المهاجرين قالوا لعمر: ألا تدعو أبناءنا كما تدعو ابن عباس؟
فقال لهم عمر: ذاك فتي الكهول، وإن له لسانا سئولا، وقلبا عقولا.
وأراد عمر أن يبين لهؤلاء الصحابة علم ابن عباس وفطنته، فدعاهم ودعاه يوما.
وفهم ابن عباس قصد عمر من الدعوة، ولهذا قال: فما رئيت أنه دعاني يومئذ إلا ليريهم.
وفي رواية أخري: أن عمر قال لهم: سأريكم اليوم منه، ما تعرفون به فضله! ولما اجتمعوا عند عمر، طلب منهم تفسير سورة النصر: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ والْفَتْحُ، ورَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ واسْتَغْفِرْهُ، إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً.
لقد نظروا في آيات السورة نظرة ظاهرية، ولاحظوا المعنى القريب المتبادر منها: عند ما يأتي الله بنصره، ويفتح البلدان أمام الاسلام، فعلى الرسول عليه الصلاة والسلام أن يسبح الله، وأن يحمده، وأن يستغفره، والله تواب يتوب على عباده.
هل كلامهم هذا خطأ أم صواب؟
لقد كان صوابا، فهذا هو معنى السورة، وهذا ما تأمر به.
لكن هؤلاء الصحابة كانوا مفسّرين للسورة، فسّروا كلماتها تفسيرا ظاهريا قريبا، وكان تفسيرهم لها صحيحا، لكنه مجرد تفسير.
أما ابن عباس فقد كان يعرف من السورة ما قالوه، ويعرف أنّ هذا هو ظاهرها، ولكنه تجاوز هذا الظاهر، وانتقل من تفسيرها القريب إلي