خطوة أخرى أرفع وأسمي وأبعد، وقدّم تأويلا للسورة تأويلا مستنبطا من موضوعها وهدفها وسياقها.
إن الله أعلم رسوله صلّى الله عليه وسلّم بقرب دنوّ أجله، إن النصر والفتح علامة على قرب الأجل، فعليه الإكثار من حمد الله وتسبيحه واستغفاره، استعدادا للارتحال عن هذه الدنيا ومغادرتها.
وقال ابن عباس في رواية أخري: لما نزلت إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ والْفَتْحُ نعيت إلي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نفسه، فأخذ بأشدّ ما كان قط، اجتهادا في أمر الآخرة.
ولقد كان ابن عباس موفّقا في هذا التأويل للسورة، وفي الالتفات لهذا المعنى الخفي البعيد الذي توحي به، وقد أشاد عمر بفهمه، ووافقه عليه، وقال له: ما أعلم منها إلا ما تقول.
ثم توجّه عمر للصحابة الجالسين فقال لهم: كيف تلومونني على حبّ ما ترون؟
قال الامام ابن حجر بعد شرحه للحديث: «فيه جواز تحديث المرء عن نفسه بمثل هذا، لإظهار نعمة الله عليه، وإعلام من لا يعرف قدره لينزل منزلته، وغير ذلك من المقاصد الصالحة، لا للمفاخرة والمباهاة، وفيه جواز تأويل القرآن بما يفهم من الإشارات، وإنما يتمكن من ذلك من رسخت قدمه في العلم» (?).
تشير سورة النصر إلي ارتباط حياة الرسول صلّى الله عليه وسلّم علي الأرض بهذا الدين، فهو رسول الله، ومهمته هي تبليغ الاسلام ونصرته وجهاد أعدائه، فإذا ما نصر الله دينه، ومنح المسلمين الفتح، فقد تحققت مهمة الرسول صلّى الله عليه وسلّم بنجاح كبير، وبذلك تنتهي حياته علي الأرض، المرتبطة بمهمته الدعوية الجهادية.