وذكر في تخصيص خيريتها على هذه المدة أَن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر رجلًا من بني إِسرائيل لبس السلاح في سبيل الله أَلف شهر، فعجب المسلمون من ذلك، وتقاصرت إِليهم أَعمالهم. فأُعطوا ليلة هي خير من مدة ذلك الغازي. وقد روي ذلك عن مجاهد. وقيل: المراد من الأَلف التكثير كما في قوله تعالى: "يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ" (?).
وقد نزل القرآن -كما روي عن ابن عباس- جملة واحدة من اللَّوح المحفوظ إِلى بيت العزة من السماءِ الدنيا. ثم نزل به جبريل مفصلًا حسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم بما روي عن ابن عباس، بل حكى بعضهم الإِجماع عليه، نعم لا يبعده القول بأَن السفرة هناك نجموه لجبريل -عليه السلام - وكان ينزل به على النبي صلى الله عليه وسلم نجومًا في ثلاث وعشرين سنة، وفي رواية أُخرى عن ابن عباس: أَنه أُنزل في ليلة القدر جملة واحدة من السماءِ الدنيا، وكان بمواقع النجوم، وكان الله ينزله على رسوله صلى الله عليه وسلم بعضه في إِثر بعض، ومعنى إِنزال القرآن من اللوح المحفوظ: إِظهاره من عالم الغيب إِلى عالم الشهادة، أَو إِثباته لدي السفرة هناك أَو نحو ذلك.
واختلفت في الوقت الذي تلتمس فيه ليلة القدر. فقيل: إِنها في العشر الأَواخر من رمضان، وقيل: إِنها ليلة سبع وعشرين؛ لما رواه مسلم في صحيحه عن أُبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إِنها ليلة سبع وعشرين، وقيل: إِنها ليلة ثلاث وعشرين، وقيل: إِنها ليلة أَربع وعشرين. والأَقوال فيها مختلفة جدًا، إِلا أَن الأَكثرين على أَنها في العشر الأواخر لكثرة الأَحاديث الصحيحة في ذلك. وأَكثرهم على أَنها في أَوتارها وكثير إِلى أنها الليلة السابعة والعشرون.
والحكمة في إِخفائها أَن يجتهد من يطلبها في العبادة في غيرها ليصادفها، فيحيي ليالي شهر رمضان كلها كما كان دأب السلف.
روى البخاري في صحيحه عن عبادة بن الصامت قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر. فتلاحى رجلان فرفعت أَي: رفع تعيينها -وعسى أَن يكون خيرًا لكم.