وقتها. وتعلمهم به حتى يسألوك بيانها -فما أَنت من ذلك في علم به، كقولك: ليس فلان في شيءٍ أَي: في علم. وقيل: (فِيمَ) إِنكار ورد لسؤالهم، وما بعده (أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا) استئناف لتعليل الإِنكار، وبيان لبطلان السؤال، أَي فيم هذا السؤال، ثم ابتدئ فقال: (أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا) أَي: إِرسالك وأَنت خاتم النبيين المبعوث في نسم الساعة (?) علامة من علاماتها ودليل يدلهم على العلم بقرب وقوعها، فحسبهم هذه المرتبة من العلم. (إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا) أَي: إِلى ربك وحده ينتهي علمها، ليس لأَحد منه شيءٌ كائنا من كان، أَو إِليه تعالى يرجع العلم بكنهها، وتفاصيل أَمرها ووقت وقوعها لا إِلى غيره سبحانه، وإِنما وظيفتهم أَن يعلموا بقربها ومشارفتها، وقد حصل لهم ببعثك الذي هو علامة من علاماتها، فما معنى سؤَالهم عنها بعد ذلك؟!
45 - (إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا):
جاءَ هذا لدفع ما قد يتوهم -حسب الظاهر- من أَنه صلى الله عليه وسلم ليس له أن يذكرها بوجه من الوجوه، فأُزيح ذلك ببيان أَن المنفي عنه -عليه الصلاة والسلام- ذكرها بقصد تعيين وقتها لهم حينما كانوا يسأَلونه عنها، والمراد إِنما شأْنك أَن تنذر من يخشاها فتنبهه من غفلته حتى يستعد لما يلقاه يومها من أَهوال وشدائد، فوظيفتك الامتثال بما أَمرت به من بيان اقترابها لا تعيين وقتها الذي لم يفوض إِليك، فلا تشغل نفسك بما عنه يسأَلون.
وتخصيص الإِنذار بمن يخشى -مع عموم الدعوة- لأَنه المنتفع بالإِنذار بها، والتخويف منها.
46 - (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا):
أَي: كأَنهم يوم يرون الساعة لم يلبثوا بعد الإنذار بها إِلا عشية يوم أَحد أَو ضحاه، والعشية: من الزوال إِلى الغروب، والضحى: من طلوع الشمس إِلى الزوال، والمراد: أَنهم يستقصرون بعد قيامهم من قبورهم وذهابهم إِلى الحشر -يستقصرون- مدة الحياة