قال: فتزعمون أَنه كذاب فهل جربتم عليه كذبًا قط؟ قالوا: لا والله، قال: فتزعمون أَنه كاهن فهل رأَيتموه تكهن قط، وقد رأَينا للكهنة أَسجاعًا وتَخَالُجًا (1) فهل رأَيتموه كذلك؟ قالوا: لا والله.
وكان النبي يسمى الصادق الأَمين من كثرة صدقة، فقالت قريش للوليد: من هو؟ ففكر في نفسه ثم نظر ثم عبس، فقال: ما هو إِلا ساحر. أَما رأَيتموه يفرق بين الرجل وأَهله وولده ومواليه، وما الذي يقوله إِلا سحر يأَثره عن مسيلمة وعن أَهل بابل، فارتج النادي فرحًا وتفرقوا مُعْجَبِين بقوله مُتَعَجَّبين منه، فذلك قول الله (إِنَّهُ فَكَّرَ) أَي: في أَمر محمد والقرآن. (وَقَدَّرَ) في نفسه ماذا يمكنه أَن يقول فيهما.
19 - (فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ):
تعجيب من تقديره وإِصابته المحزَّ ورميه الغرض الذي كانت تتمناه وتتوقعه قريش وتتطلبه منه، أَو ثناء عليه تهكمًا، أَو حكاية لما كروه على سبيل الدعاءِ عليه عند سماع كلمته الحمقاء، فالعرب تقول: قتله الله ما أَشجعه، وأَخزاه الله ما أَشعره: يريدون أَنه قد بلغ المبلغ الذي هو حقيق بأَن يحسد، ويدعو عليه حاسده بذلك. ومعنى (قُتِلَ) أَي: لُعِن، وكان بعض أَهل التأويل يقولون معناها: فقُهر وغُلِب، وقال الزهري: عُذِّب، وهو من باب الدعاء.
20 - (ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ):
ثم استحق العذاب واللعن والهلاك كيف أَعد في نفسه هذا الطعن على القرآن؟! أَو على أَي حال قدر، والتكوير للمبالغة كما هو عادة من أَعجب غاية الإِعجاب، والعطف يتم للدلالة على تفاوت الرتبة وأَن الثانية أَبلغ من الأُولي، فكأَنه قيل: قتل بنوع ما من القتل، لا: بل قيل بأَشده وأَشده، والإِطراء في الإِعجاب بتقدير الوليد بن المغيرة يدل على غاية التهكم به وبمن فرح بخلاصة تفكيره.
-
(1) تخالجا: تجاذبا يمينًا وشمالًا.