17 - (سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا):

الإِرهاق في كلام العرب: أَن يُحْمل الإِنسان على الشيءِ. والمعنى: سأُكلفه في النار بما لا يقدر عليه، وأَحمله على صعود عقبة شاقة المصعد، أَو: هو مثل لما يلقى من العذاب الشاق الصعب الذي لا يطاق، وروى أَن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يكلف أَن يصعد عقبة في النار كلما وضع عليها يده ذابت، وإِذا رفعها عادة، وإِذا وضع رجله ذابت، فإِذا رفعها عادت.

وذكر القرطبي أَن معني الآية -كما قال ابن عباس: سأُكلفه مشقة من العذاب لا راحة له فيه.

18 - (إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ):

تعليل للوعيد السابق واستحقاقه له، كأَن الله عاجله بالفقر بعد الغي والذل بعد العز في الدنيا لعناده، ويعاقبه في الآخرة أَشد العذاب وأَعظمه لبلوغه بالعناد غايته وأَقصاه في تفكيره، وتسميته القرآن سحرًا، والمعنى: أَن الوليد فكر وزوَّر في نفسه وأَعد وهيأَ ما يقوله من الطعن في القرآن والرسول، فاستحق بذلك العذاب وذلك أَنه لما نزل قوله تعالى: (حم. تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) إِلى قوله تعالى: (إِلَيْهِ الْمَصِيرُ) على النبي صلى الله عليه وسلم سمعه الوليد يقرؤُها فقال: والله لقد سمعت منه كلامًا ما هو من كلام الإِنس ولا هو من كلام الجن وإِن له لحلاوة، وإِن عليه لطلاوة، وإِن أَعلاه لمثمر، وإِن أَسفله لمغدق، وإِنه ليعلو ولا يُعْلى عليه، وما يقول هذا بشر، فقالت قريش: صبأَ الوليد لَتَصْبُوَنَّ قريش كلها، فقال أَبو جهل: أَنا أَكفيكموه فمضى إِليه حزينًا فقال له: ما لي أَراك حزينًا؟ فقال له: وما لي لا أَحزن وهذه قريش يجمعون لك نفقة يعينونك بها على كبر سنك، ويزعمون أَنك زينت كلام محمد وتدخل على ابن أَبي كبشة -يعني بذلك رسول الله- وابن أَبي قحافة -يقصد أَبا بكر- لتنال من فضل طعامهما، فغضب الوليد وتكبر وقال: أَنا أَحتاج إِلى كِسْر محمد وصاحبه؟ فأَنتم تعرفون قدر مالي، واللات والعُزَّي ما لي حاجة إِلى ذلك، وإِنما أَنتم تزعمون أَن محمدًا مجنون فهل رأَيتموه قط يَخْنُق، قالوا: لا والله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015