ثم تنتقل الآيات إلى الحديث عن دلائل القدرة، بأقوى ما يشد الانتباه، ويثير الفكر من نظر الإنسان في نفسه، وما أُودع فيه من عجائب الصنع، وبدائع الخلق، وتفكره فيما يحوى هذا الكون في سهوله ووهاده في أرضه وسمائه، وما يقدّر على الإنسان من أرزاق تقضى بها حكمة الكريم الرزاق، معقبة ذلك بما لا يدع مجالًا لمن ينكرون أو يتشككون: (فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ).
ثم تستهدف الآيات غرضًا آخر فتذكر طرفًا من قصص الرسل والأنبياء، وأحوالهم مع أقوامهم إعجازًا للقرآن الكريم بإخباره عن أحوال الغابرين، وتسلية للرسول - صلى الله عليه وسلم - بذكر ما جرى لإخوانه من الرسل السابقين.
واختصت هنا طائفة من الرسل اشتدت معاناتهم مع أُممهم وأقوامهم، فذكرت إبراهيم وموسى - عليهما السلام - وعرضت للأمم التي أوغلت في الطغيان، وأغرقت في التجبر من أمثال عاد وثمود وقوم نوح، فلاقت أشد النكال وأسوأ المآل.
ثم عرضت الآيات إلى الحديث عن مظاهر القدرة ببناء السموات وامتدادها، وفرش الأرض وبسطها وتمهيدها، وتعدد المخلوقات وازدواجها مما لا يتحقق إلا بقدرة لا يقادر قدرها، وحكمة لا يدرك كنهها، ويقين يدفعنا إلى صدق الإيمان، ويسوقنا إلى الفرار إلى الله، والاعتماد عليه دون سواه.
ثم تختم السورة بالغرض الأسمى، والمقصد الأعلى، والغاية العليا من خلق الإنسان والجان، وهي توحيد الله - تعالى - وعبادته: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) ثم تهدد الكافرين بسوء المصير: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ).