(تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا) الخطاب هنا لكل من تتأتى منه الرؤية، أي: تبصر وترى منهم كثرة الصلاة في أغلب أحوالهم وكثرة أحيانهم ليلًا ونهارًا؛ ينبئ ويدل على ذلك التعبير بالفعل المضارع (تَرَاهُمْ) فإنه يدل على استمرار الفعل وتجرده (يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا) أي: يرجون في جد واجتهاد بانكسار قلب، وذلة نفس أَن يمنحهم الله من فضله ويمن عليهم من رضوانه تفضلًا منه وتكرمًا؛ لأنهم لا يرون لهم أجرًا على ما قدموا من عمل طيب، وأن ما قاموا به من طاعة وعبادة فهي - فضلًا على أنها بتوفيقه - دون أقل نعمة تفضل الله بها عليهم، فنعم الله وأفضاله كثيرة قبل وتعظم عن الإحصاء والحصر، ويقف الإنسان منها عاجزًا عن عدّها وبيانها {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا} (?).
(سِيمَاهُمْ في وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) أي: العلامة التي يتميز المؤمنين عن سواهم أن ترى في وجوهم سمة حسية وأَمارة تنبئ عنهم وتدل عليهم، وذلك يكون من كثرة ما يسجدون لربهم. قال جار الله الزمخشرى في الكشَّاف: وكان كل من العَلِيَّيْن: علي بن الحسين زين العابدين، وعلي بن عبد الله بن عباس أبي الأملاك يقال له: ذو الثَّفَنَات (?)؛ لأنَّ كثرة سجودهما أَحدثت في مواقعه منهما أَشباه ثفنات البعير.
وعن سعيد بن جبير: هي سمة في الوجه، فإن قلت: فقد جاءه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (لا تعلبوا صوركم) (?).
وعن ابن عمر - رضي الله عنه - أنه رأى رجلًا قد أثر في وجهه السجود فقال: إن صورة وجهك أنفك فلا تعلب وجهك ولا تَشِنْ صورتك. قلت: ذلك إذا اعتمد بجبهته على الأرض لتحدث فيه تلك السمة، وذلك رياءٌ ونفاق يستعاذ بالله منه، ونحن نتحدث فيما حدث في جهة السَّجاد الذي لا يسجد إلا خالصًا لوجه الله - تعالى - وعن بعض المتقدمين: كنا نصلى فلا يُرى بين أعيننا شيءٌ ونرى أحدنا الآن يصلي فيرى بين عينيه ركبة البعير: فما ندرى أثقلت الرءوس أم خشنت الأرض؟ وإنما أراد من تعمد ذلك للنفاق، وقيل: هو صفرة