رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (?) أما صحابته - رضي الله عنهم - فشأنهم معه - صلى الله عليه وسلم - هو الطاعة والتأسي وبذل النفس والمال في سبيل الله، وقد قال الله في حقهم: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} (?). وشدة الرسول - عليه الصلاة والسلام - ومن معه على الكفار تكون عند ملاقاتهم في الحروب، فلا تضعف عزائمهم ولا تلين قناتهم، فالمؤمن قد وعده الله إحدى الحسنيين إما الشهادة والموت في سبيل الله، أو الظفر والنصر، أَما فيما يتصل بمعايشة الكفار غير الحربيين فينبغى أن يكون المسلم على حذر منهم؛ لأنهم لا يألون جهدًا في المكر والكيد للمسلمين والنيل منهم، وصدق الله القائل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ} (?) وهذا لا يمنع حسن الجوار معهم والبر بهم والعدل فيهم وقوله - تعالى -: (رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) أي: يتراحمون فيما بينهم، فلا يبغي بعضهم على بعض؛ فهم في تعاطف وتوادّ كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.

وعن الحسن - رضي الله عنه -: بلغ من تشددهم على الكفار أنهم كانوا يتحرزون من ثيابهم أن تلزق بثيابهم، ومن أبدانهم أن تمس أبدانهم، وبلغ من تراحمهم فيما بينهم أنه كان لا يرى مؤمن مؤمنًا إلا صافحه وعانقه.

أخرج أبو داود عن البراء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا التقى المسلمان فتصافحا وحمدا الله واستغفراه غفر لهما" كما أثر (أن أحد الصحابة قدم على رسول الله في المدينة فاعتنقه وقبَّله) غير أن الإِمام النووى في كتابه الأذكار قال في التقبيل وكذا المعانقة: لا بأس به عند القدوم من سفر ونحوه، ومكروه كراهة تنزيه في غيره، ولعل دليله في هذا ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - في حديث أخرجه الترمذي عن أنس في زيادة رزين - لما سئل عن الرجل يلقى أخاه أينحنى له؟ قال: (لا). قال: أفيلتزمه ويقبله؟ قال: (لا، إلا أن يأتى من سفره).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015