وروى عن سعيد بن جبير ما يشير إلى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قرأ على الجن ولا رآهم وإنما كان يتلو في صلاته فوقفوا مستمعين وهو لا يشعر بهم فأنبأه الله تعالى باستماعهم حيث أوحى إليه قوله تعالى: {قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن .. } وقيل: بل أمره الله - تعالى - أن ينذر الجن ويقرأ عليهم القرآن، فصرف إليه نفرا منهم ليستمعوا منه وينذروا قومهم. فقد روى أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "إني أمرت أن أقرأ على الجن الليلة فمن يتبعني؟ قالها ثلاثًا، فأطرقوا إلا عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: فانطلقنا حتى إذا كنا بأعلى مكة في شعب، خطَّ لي خطا فقال: لا تخرج منه حتى أعود إليك ثم افتتح القرآن، وسمعت لغطا شديدًا حتى خفت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أن قال: ثم انقطعوا كقطع السحاب، فقال رسول الله: هل رأيت شيئًا؟ قلت: نعم، رجالًا سودا، مستشعري ثيابٍ بيضٍ. فقال: أُولئك جن نصيبين" وكانت هذه القصة قبل الهجرة بثلاث سنين على ما صح عن ابن عباس. وهذه الرواية لا تعارض الرواية التي تقول: إنهم صادفوا وقت قراءته - صلى الله عليه وسلم - فإن ذلك كان في واقعة أُخرى، بل قيل: إن وفادة الجن كانت ست مرات، ولتعدد الوقائع اختلفت الروايات في عدد الجن الذين حضروا وفي المكان والزمان لاستماعهم القرآن.
ويستفاد من الآية: أن في الجن نذرًا وليس فيهم رسلًا - تعالى -: {وما أرسلنا من قبلك إلا رجالًا نوحي إليهم من أهل القرى} (?) وأما قوله - تعالى -: {يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم} (?) فالمراد من مجموع الجنسين فيصدق على أحدهما، وتعلق قوم بظاهر النص فقالوا: إن الجن كانت لهم رسل منهم - انظر تفسير الآية في الكشاف.
30 - {قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ}:
أي: قال الجن لقومهم حينما رجعوا إليهم: يا قومنا إنا سمعنا كتابًا عظيم القدر رفيع الشأن أنزل على رسول من بعد موسى، وقد ذكروا بعديته لموسى دون بعديته لعيسى؛ لأن عيسى كان مأمورًا بالعمل بمعظم ما في التوراة أو بكله، حيث أنزل عليه