الإنجيل مشتملًا علي كثير من المواعظ، وقليل من التحليل والتحريم. فهو في الحقيقة كالمتمم لشريعة التوراة، أو لأن الجن كانت يهودًا - كما قال عطاء - {مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} أي: أن القرآن مصدق لما تقدمه، وأرادوا به التوراة أو جميع الكتب الإلهية السابقة. {يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ} أي: أنه يرشد إلى العقائد الصحيحة وإلى طريق مستقيم من الأحكام الفرعية، أو ما يعمها وغيرها من الأركان والقواعد على أنه من ذكر العام بعد الخاص.
31 - {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}:
يحتمل أنهم أرادوا بداعي الله ما سمعوه من القرآن الذي طلبوا الاستجابة له والإيمان به، ووصفوه بالهداية إلى الحق والصراط المستقيم لتلازمهما.
ويحتمل أنهم أرادوا به محمدًا - صلى الله عليه وسلم - حيث دعاهم إلى الله وقرأ عليهم السورة التي فيها خطاب الفريقين - الإنس والجن - وتكليفهم ووعدهم ووعيدهم وهي سورة الرحمن فطلبوا الاستجابة له والإيمان به، وهذا يدل على أنه كان مبعوثًا إلى الجن والإنس، قال مقاتل: لم يبعث الله نبيًّا إلى الجن والإنس قبل محمد - صلى الله عليه وسلم - ويؤيد هذا ما في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أُعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي، كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى كل أحمر وأسود إلى آخر الحديث" قاله مجاهد: الأحمر والأسود: الجن والإنس، وفي رواية من حديث أبي هريرة: "بعثت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون".
{يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ} أي: يغفر لكم بعض ذنوبكم وهو الذنوب السالفة، وقيد الخطاب معهم بما يدل على التبعيض دفعًا لتوهمهم أنهم إذا أجابوا داعي الله - تعالى - وآمنوا به يغفر لهم ما تقدم من ذنوبهم وما تأخر، وقال أبو السعود: أي: بعض ذنوبكم وهو ما كان في خالص حق الله تعالى؛ فإن حقوق العباد لا تغفر بالإيمان.