والمعنى: وقال مشركو قريش - بتوجيه من أهل الكتاب -: هلا أنزل على محمَّد آيات مادية من ربه مثل: ناقة صالح، وعصا موسى، ومائدة عيسى، نراها ونحسها، قل لهم يا رسول الله ردًّا لمقالهم: إنما الآيات عند الله وحده، هو الذي يملك إنزالها. ويختار ما شاء منها ينزلها حسبما يشاء على من يشاء من غير دخل لأحد، أو اقتراح من أحد، ولا أملك أن أتخير على الله، وإنما أنا نذير مبين أي: ليس شأني إلا الإنذار والتخويف بما ينتهي إليَّ إنزاله من الآيات.
51 - {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}):
هذه الآية كلام وارد للرد على المشركين، وإبطال اقتراحهم، وتسفيه رأيهم، روى عن يحيى بن جعدة قال: جاء ناس من المسلمين بكتف قد كتبوا فيها بعض ما سمعوه من اليهود، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (كفى بقوم حمقا وضلالة أن يرغبوا عما جاء به نبيهم إليهم، إلى ما جاء به غيره إلى غيرهم) فنزلت.
والمعنى: أقصَّر هذا الكتاب ولم يكفهم أنا أنزلنا عليك القرآن تستمر على تلاوته بينهم، وقراءته فيهم في كل زمان ومكان، فلا يزال معهم آية ثابتة خالدة لا تزول كما تزول كل الآيات غيره بعد زمانها، كما أنها تكون في مكان دون مكان؟. {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} إن في ذلك القرآن الكريم الذي تعم آيته الزمان والمكان إلى آخر الدهر لنعمة عظيمة لا يقدر قدرها، وتذكرة بالغة لقوم يطلبون الإيمان، ويحرصون على تحصيله.
وقيل: أولم يكف اليهود حجة عليهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم بتحقيق ما في أيديهم من نعتك ونعت دينك؟