{وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}: اختلف المفسرون في مرجع الضمير في قوله: {وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ} فقيل، إنه راجع إلى العذاب الذي استعجلوه، وقيل: راجع إلى أجل العذاب والأول أظهر؛ لأن العذاب هو موضع استعجالهم، وإذا كان المراد به عذاب بدر فالمراد من إتيانه بغتة وهم لا يشعرون: أنه لا يكون بطريق التعجيل عند استعجالهم، بل يأتيهم وهم قارون آمنون لا يخطرونه بالبال، كدأب بعض العقوبات النازلة على بعض الأمم بياتًا وهم نائمون، أو ضحى وهم يلعبون.
وقال آخرون: إتيانه بغتة وهم لا يشعرون من حيث إنه غير متوقع لهم أن يغلبوا يوم بدر؛ لأنهم لغرورهم كانوا لا يتوقعون غلبة المسلمين ولا تخطر لهم ببال.
54 - {يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ ... } الآية:
تكرار استعجالهم العذاب لبيان غاية تجهيلهم وسفه عقولهم.
والمعنى: ويستعجلونك بالعذاب إمعانًا في الجهل، وإغراقًا في العناد وركاكة في التفكير {وإن جهنم} التي هي مكان العذاب الذي لا عذاب فوقه {المحيطة} بهم لكفرهم ومعاصيهم المحيطة بهم.
والتعبير بالجملة الاسمية في قوله - تعالى -: {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} للدلالة على تحقيق الإحاطة.
والمراد بالكافرين: إما المستعجلون للعذاب، ووضع الظاهر موضع المضمر للإشعار بعلَّة الحكم، وإما جنس الكافرين، والمستعجلون داخلون فيهم دخولا أوليًّا.
55 - {يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} الآية.
يحتمل أن {يَوْمَ يَغْشَاهُمُ} ظرف لمحيطة، أي: محيطة بالكافرين في هذا اليوم. ويحتمل أن يكون الظرف معمولا لمحذوف طوى ذكره للإيذان بغاية كثرته، وفظاعته.
والمعنى: يوم يعمهم العذاب ويحيط بهم من فوقهم ومن تحت أرجلهم، ومن جميع جهاتهم بحيث يجدون من الهوان والأهوال ما لا يفي به مقال.