ويغير هيئتها، ويسير الجبال عن مقارها على ما ذكر من الهيئة الهائلة يشاهدها أهل المحشر.

وهي وإن اندكت وتصدعت عند النفخة الأولى، لكن تسييرها وتسوية الأرض إنما يكون بعد النفخة الثانية كما نطق به قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (107) يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ} (?).

وقوله سبحانه: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} (?) فإن اتباع الداعى الذي هو إسرافيل، وبروز الخلق الله - تعالى - لا يكون إلا عند النفخة الثانية.

ونقل الآلوسى عن بعض المفسرين أن ذلك مما يقع عند النفخة الأولى، وعقب عليه بما يرجح كونه بعد النفخة الثانية، والله - تعالى - أعلم.

ويُعقِّبُ الله ذلك التغيير الكونى الخطير بقوله - سبحانه -: {صُنْعَ (?) اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} أي: ما تقدم من النفخ في الصور وما ترتب عليه من فزع أهل السموات والأرض إلا من شاء، ومجيء الخلائق جميعا تلببة لنداء البعث والحشر، وتحويل الجبال إلى ما يشبه العهن المنفوش (?)، ومرورها مر السحاب في طريقها إلى الزوال، كل ذلك صنعه الله الذي أتقن كل شيء، وبناه على الحكم المستتبعة للغايات الجليلة، وليس ذلك من باب الإخلال والإفساد دون حكمة.

وقد ختمت الآية بقوله - تعالى -: {إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} وهو تعليل لما تقدم من النفخ في الصور وفزع أهل السموات والأرض ومجيئهم إليه صاغرين للحساب، وقد اعترض بينهما بذكر تحويل الجبال إلى عهن منفوش يسير سير السحاب في طريقه إلى الزوال بعد أن كانت جامدة، توفية لمقام الحديث عن الأهوال التي تحيط بيوم الحساب والجزاء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015