دون الله, والملائكة كذلك، وهذه مغالطة مكشوفة, فإِن الآية لهم ولأَصنامهم، ولذلك قال سبحانه: {وَمَا تَعْبُدُونَ} ولم يقل: "ومن تعبدون" لأَن "ما" لما لا يعقل، أما "مَنْ" فهى لمن يعقل، وكيف يدخل عيسى في المعبودات المعذبة وقد قال الله فيه:
{مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} (?) وحكى عنه أنه قال لقومه وهو رضيع:
{إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا, وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ ... } (?).
وقال عن الملائكة: {بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} (?).
فالواقع أَنهم يزيفون الأَباطيل ويزعمونها حججا لهم وهي أَوْهَى من بيت العنكبوت.
وإِذا فسرنا التمني بالرغبة والإِرادة، فيكون معنى الآية ما يلى:
وما أَرسلنا قبلك - يا محمد - من رسول ولا نبى إِلا إِذا تمنى وأَراد هداية قومه إِلى الحق، أَلقى الشيطان فيما تمناه الشَّبَهَ في نفوس قومه ليصدهم عن سبيله، وقد بيَّن الله مآل سعْي الشيطان في آيات الله بقوله: {فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} أَي: فيبطل الله ما يلقيه الشيطان من الشُّبَه في نفوس الناس، بتوفيق الرسول أَو النبي لرده, أَو بإِنزال ما يرده, ثم يظهر الله حكمة آياته لمن أَشكل عليهم الأَمر بتلبيس الشياطين, أَو يمنعها ويحميها من أَباطيل الشياطين (?)، بما ينزله من الآيات الماحقة لأَباطيلهم كما جاءَ بقوله سبحانه:
{بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} وختم الله الآية بقوله: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}: أَي واسع العلم، فلا يخفى عليه ما يصدر من الشيطان وأَوليائه, بليغ الحكمة في رد شبهاتهم ونصر رسله وأَنبيائه.
وخلاصة معنى الآية: أَن الصراع بين الحق والباطل أَمر قديم, عرفه الأَنبياءُ والمرسلون قبلك يا محمد، وأَن الأَمر ينتهى بنصر الحق على الباطل بتدبير الله وحكمته، فلا تجزع