منهاجا في تبليغه رسالته للناس، وأَنهما بسبب ذلك يختلفان في تعريفهما، والمشهور أَن الرسول: من أُوحي إِليه بشرع وأُنزل عليه كتاب يبلغه للناس، والنبى: من لم ينزل عليه كتاب، وإِنما أُمر بتبليغ شريعة من قبله, فالرسول صاحب شرع جديد، والنبى حافظ لشرع قديم، وكلاهما أَيده الله بمعجزة تؤَيد أَنه مرسل من عند الله، ومن العلماءِ من قال: إِن النبي يعم الرسول صاحب الشرع الجديد، والنبي حافظ الشرع القديم، فكلاهما نبي, ولذلك خوطب الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - بلفظ النبوة في القرآن في نحو قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} وهذا خير ما يقال في الفرق بينهما.

وقد جاءَ في الآية لفظ (التَّمني) وله في اللغة عدة معان، منها: القراءَة، ومنها الإِرادة والرغبة, ويدل على استعمال التمني بمعنى القراءَة قول حسان في عثمان بن عفان بعد قتله:

تَمَنَّى كتابَ الله أَوَّلَ لَيْلِهِ ... تَمَنِّيَ داودَ الزَّبُورَ على رِسْلٍ (?)

وكلا المعنيين تصح إِرادته في تفسير الآية الكريمة، فإِذا فسرنا التمنى بمعنى القراءَة كان معنى صدر الآية كما يلى:

وما أَرسلنا قبلك - يا محمد - رسولا ولا نبيًّا إِلا وحاله أَنه إِذا قرأَ شيئًا من الآيات التي أَمرناه بتبليغها، أَلقى الشيطان فيما يقرؤُه الشُّبه والتخيلات على أَوليائه ليجادلوه بالباطل ويردوا ما جاءَ به، تعجيزًا لمسيرة دعوته، وفي هذا المعنى يقول سبحانه وتعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} (?)؛ ويقول أَيضًا: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ} (?)؛ وهذا كقولهم عند سماع قراءَة الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "حُرِّمَت عَلَيْكُمُ الْمَيْتَهُ" - ما بالهُ يُحِلُّ ما يذبحه لنفسه، ويحرم ما يذبحه الله؟ فقد كانوا يحلون الميتة زاعمين أَنها ذبيحة الله لهم، وحينما قرأَ: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} قالوا: إِن عيسى عُبِدَ من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015