{وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ}: أَي ولا تكن في حرج وضيق صدر من مكر الكفار بك، فإِن الله كافيك وحافظك منهم، ومظفرك بهم، وفي هذا تأكيد لتسليته صلى الله عليه وسلم, ولأمر الله له بالصبر، ثم ختم الله سبحانه هذه السورة الكريمة بتلك البشارة العظيمة؛ بمعيته للمتقين المحسنين - والنبى إِمامهم، فقال عز من قائل:
128 - {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ}:
والمعنى أَن الله جلت آلاؤُه، مع الذين جمعوا بين فضيلتي التقوى والإحسان, واستمروا عليهما .. والمقصود من معيَّته تعالى هنا أنه سبحانه يعينهم ويحفظهم من مكر الأعداء بهم، وينصرهم عليهم، فهي معية رعاية وحفظ. كالتي يشير إِليها قوله تعالى لموسى وهارون وقد أَرسلهما إلى فرعون: {لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} (?). والتي يشير إِليها قول النبي صلى الله عليه وسلم للصديق وهما في الغار، كما حكى الله: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} (?).
ولا ريب أَن هذه المعية الخاصة أعلى وأجل من المعية العامة التي في مثل قوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (?). فإنها معية العلم والرقابة والمحاسبة، وتلك معية العناية والرعاية والمحبة. وشتان ما بينهما - ذلك وقد اشتملت خواتيم هذه السورة على تعليم حسن الأَدب في الدعوة وترك التعدى، والأمر بالصبر على المكروه. وعظيم البشارة للمتقين المحسنين. وقد روى ابن جرير .. وغيره أن هرم بن حبان (?). قيل له عند الاحتضار أوصِ. فقال: إِنما الوصية من المال ولا مال لي: وأوصيكم بخواتيم سورة النحل.