عقابا ولكن العقاب هو الثاني؛ لأنه هو الذي يرد به المسلمون عدوان العدو، عقابًا له ودفاعا عن دينهم وأَنفسهم، وإِنما سمى اعتداء العدو عقابا من باب مماثلة الكلام ومشاكلته .. (?) كما سمى جزاء الاعتداء اعتداء في قوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} (?) وكما سمى جزاء السيئة سيئة في قوله سبحانه: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} (?).

ولم يقتصر العدل الإلهي على طلب المماثلة في العقوبة، وعدم التجاوز فيها. بل حث على العفو والصبر؛ فقال سبحانه:

{وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ}:

أي ولئن صبرتم أيها الداعون إلى الله تعالى. لصبركم هذا هو خير لكم في دنياكم وآخرتكم من الانتصار بالمعاقبة، فإن الصبر والعفو وكظم الغيظ من أمهات الفضائل التي يسمو بها العبد، ويرفعه الله بها درجات، ويرد بها عدوَّه الألَد وليًّا حميما وصديقا مصافيا .. وإنما يحمل العفو عند القدرة، وحيث تدعو إليه المصلحة في عزة الإِسلام وسماحته، ثم أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالصبر أمرا صريحا بعد ما ندب إِليه من قبل تعريضا فقال جل ثناؤُه:

127 - {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ ... } الآية.

لأنه عليه الصلاة والسلام أولى الناس بعزائم الأمور, لمزيد علمه بشئون ربه، ووثوقه به أي اصبر أيها الرسول على ما أصابك من قومك، من إِعراضهم عن دعوتك، وايذائِهم لك .. وما صبرك إلا بمعونتة تعالى وتأييده وتوفيقه وتثبيته.

{وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ}: أي ولا تحزن على الكافرين وكفرهم بك وعدم متابعتهم لك، كما قال تعالى: {فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015